" البُغْض والكَرَاهِية "
" البُغْض والكَرَاهِية "
ذم البُغْض والكَرَاهِية والنهي عنهما:
أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ " [المائدة: 91].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم؛ إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصدكم عن ذكر الله) [جامع البيان].
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا) [رواه البخارى ومسلم].
قال السعدي: (فعلى المؤمنين أن يكونوا متحابِّين، متصافِّين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعهم لمصالحهم الكليَّة التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبَّر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحدٌ منهم أحدًا) [بهجة قلوب الأبرار].
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (إذا فُتِحَت عليكم فارس والرُّوم، أيُّ قوم أنتم؟ قال عبد الرَّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثمَّ تتحاسدون، ثمَّ تتدابرون، ثمَّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمَّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) [رواه مسلم].
أقوال السَّلف والعلماء في الكَراهَة:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أَحْبِب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما) [صححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى].
- وقال بعض الصَّحابة: (مَن أراد فضل العابدين، فليصلح بين النَّاس، ولا يوقع بينهم العداوة والبَغْضاء) [تنبيه الغافلين،للسمرقندى].
- وقال أبو حاتم: (حاجة المرء إلى النَّاس مع محبَّتهم إيَّاه خيرٌ مِن غناه عنهم مع بغضهم إيَّاه، والسَّبب الدَّاعي إلى صدِّ محبَّتهم له هو التَّضايق في الأخلاق وسوء الخُلُق؛ لأنَّ مَن ضاق خُلُقه سَئِمَه أهله وجيرانه، واستثقله إخوانه، فحينئذٍ تمنَّوا الخلاص منه، ودعوا بالهلاك عليه) [روضة العقلاء].
- وقال: (الواجب على النَّاس كافةً: مجانبة الإفكار في السَّبب الذي يؤدِّي إلى البَغْضَاء والمشاحنة بين النَّاس، والسَّعي فيما يفرِّق جمعهم، ويُشتِّت شملهم) [روضة العقلاء].
- وقال ابن القيِّم: (البُغْض والكَرَاهَة أصل كلِّ ترك ومبدؤه) [الجواب الكافى].
#### من آثار البُغْض والكَرَاهِية:
1- سببٌ في الوقوع في الافتراء والبهتان على النَّاس، والتَّحامل عليهم عند الخصومة.
2- يتولَّد عنه الحقد الشَّديد للمَبْغُوض.
3- يتسبَّب في انتشار بعض الأمراض الاجتماعيَّة الخطيرة، التي تفتك بالمجتمع وتهدِّد لُحْمَته وتماسكه، كانتشار الإشاعات المغرضة، والتَّحاسد والتَّنافس غير المحمود.
4- سببٌ في فقدان الأمن والأمان في المجتمع؛ فإذا سادت الكَرَاهِية والبَغْضَاء، أحسَّ الفرد أنه يعيش في غابة بين وحوش يتربَّصون به، ويتحيَّنون الفرص لأذيَّته، فيعيش في قلقٍ دائمٍ لا ينتهي.
5- يتسبب في فقدان الحبِّ في المجتمع الواحد، بل في العائلة الواحدة.
#### أقسام البَغْضاء والكَراهِية:
تنقسم البَغْضَاء إلى قسمين:
الأوَّل: منهيٌّ عنه، محرَّمٌ مذموم.
الثَّاني: مأمورٌ به، مُثابٌ صاحبه، ومِن صوره:
1- بُغْضُ وكَرَاهِية الباطل:
فإنَّ حُبَّ الحقِّ وبُغْضَ وكَرَاهِيةَ الباطل فضيلةٌ خُلقيَّة، فعن عائشة: (أنَّها أخبرته أنَّها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلمَّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكَراهِية، فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله؛ ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قالت: اشتريتها لتقعد عليها وتَوَسَّدَها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أصحاب هذه الصُّور يوم القيامة يعذَّبون، يقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم، وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ البيت الذي فيه الصُّور لا تدخله الملائكة) [رواه البخارى ومسلم].
2- بُغْضُ وكَرَاهِية الكُفَّار والفُسَّاق:
قال تعالى: " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " [الممتحنة: 4]قال ابن عاشور: (والبَغْضَاء: نُفْرَة النَّفس والكَراهِية، وقد تُطْلَق إحداهما في موضع الأخرى إذا افترقتا، فذِكْرُهما معًا هنا مقصودٌ به حصول الحالتين في أنفسهم: حالة المعاملة بالعُدْوَان، وحالة النُّفْرَة والكَراهِية، أي نُسِيء معاملتكم، ونُضْمِر لكم الكَراهِية حتى تؤمنوا بالله وحده دون إشراك) [التحرير والتنوير،لابن عاشور].
#### من أسباب الوقوع في البُغْض والكَرَاهِية:
1- الغيبة والنَّمِيمَة مِن الأسباب الرَّئيسة للكَرَاهِية والبَغْضَاء والتَّشاحن.
قال بعض الحكماء: (النَّمِيمَة تهدي إلى القلوب البَغْضَاء، ومَن واجهك فقد شتمك، ومَن نقل إليك فقد نقل عنك، والسَّاعي بالنَّمِيمَة كاذبٌ لمن يسعى إليه، وخائن لمن يسعى به) [بحر الدموع،لابن الجوزى].
2- الكذب والغِشُّ؛ فإنَّه يترك أثر الكَرَاهِية بين الغاشِّ والمغشوش.
3- قسوة القلب والغِلظَة والفَظَاظَة: فهذه الأخلاق تنفِّر بين القلوب، وتشيع الكَرَاهِية والبَغْضَاء، قال تعالى: " وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ " [آل عمران: 159].
4- التَّجسُّس: فالتَّجسُّس سبيل إلى الكَرَاهَة والبُغْض بين النَّاس. قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذَّى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة) [شرح رياض الصالحين].
5- الغيرة: قال ابن القيِّم: (إنَّ الغيرة تتضمَّن البُغْض والكَرَاهَة) [الصواعق المرسلة].
6- عدم العدل عمومًا سببٌ مِن أسباب البغض، فعدم العدل بين الزَّوجات يولِّد الحقد والكَراهِية بين الزَّوجات، وبين الزَّوج وزوجاته، وعدم العدل بين الأبناء يولِّد الشَّحناء والبَغْضاء، وتسود بينهم روح الكَرَاهِية.
7- التَّعدِّي على حقوق الإنسان بأي نوعٍ مِن أنواع التَّعدِّي.
#### من الوسائل المعينة على تجنُّب البُغْض والكَرَاهِية:
1- الإحسان:
" وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " [فصِّلت:34].
2- الإنصاف: فبالإنصاف تُنْـتَزَع صفات الحقد والكَرَاهِية، لتحلَّ محلَّها صفات الاحترام والحبِّ والتَّنافس في الخيرات.
3- المعاتبة دون إكثار: فالمعاتبة تنقِّي النُّفوس مِن الشَّرِّ والكَرَاهِية، وتزيد المحبَّة والألفة، إذا كانت برفق ولين، دون جدال، مع حسن انتقاء الألفاظ، وبعد عن اللوم الشديد والتجريح.الصَّبر.
مختارات