" علامة على الطريق "
" علامة على الطريق "
وهناك علامة من العلامات المهمة... وإلا فهي كثيرة تدل على استقامة العبد... فحري أن ننتبه إليها... وننظر إلى أنفسنا !! أين نحن منها؟!
ألا وهي حفظ اللسان من آفاته، واشتغاله فيما يرضى الله، فهو دليل استقامة القلب، واستقامة القلب دليل استقامة الإيمان: " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء: 88، 89].
وعند الترمذي مرفوعًا عن أبي سعيد قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تَكْفُرُ اللسانَ؛ فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» (انظر: صحيح الترمذي، وصحيح الجامع، والمشكاة) ومعنى تَكْفُرُ: أي تَذِلُّ وتخضع له.
فيجب مراعاة هذه العلامة وهذا الدليل !! فلا ينطق بمحرم ويجتنب اللغو، وقول الزور، ويحذر من آفات اللسان كلها.
وننبه إلى أن السكوت عن الحق من آفات اللسان كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعن رجلاً هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه [أو شهده أو سمعه]» " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وهو في السلسلة الصحيحة ".
وقد عنون له الشيخ الألباني – رحمه الله -: التحذير من ترك كلمة الحق، وقال معلقًا: وفي الحديث النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفًا من الناس، أو طمعًا في المعاش !!
فيجب أن ينكر المنكر، ويأمر بالمعروف، ويدعو إلى الله، وينصح ويرشد ويُعمل لسانه في الطاعات من ذكر، وتسبيح، وتهليل شرعي.
لتكون هذه الأمور دليلاً على استقامة القلب، ومن ثم الإيمان بعد إخلاصه لله – عز وجل.
تساؤل مهم !!
هل معنى الاستقامة أن أكون كاملاً على الصواب مطلقًا في جميع أعمالي؛ فلا يقع مني خطأٌ ولا تقصير؟!
نقول: هذا أمر مستحيل، وغير مستطاع؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «كُلُّ ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن أنس كما في صحيح الجامع المشكاة).
ولهذا يأمرنا الله بالاستغفار بعد أمره إيانا بالاستقامة؛ قال تعالى: " فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ " [فصلت: 6] ففيها إشارة إلى أنه لا بد من التقصير وجبرانه بالاستغفار والتوبة.
ولهذا شرع لنا الاستغفار بعد الصلاة وغيرها من الأعمال؛ لأنه لا بد أن يقع سهو وتقصير وتفريط من العبد، وهذا – أي الاستغفار – من فضل الله علينا ورحمته بنا، ومما يوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (صحيح الجامع) فبعد أن وصى معاذًا بالتقوى، والتزام الشرع، أشار إلى أنه لا بد من وقوع الخطأ والتقصير، فما العمل؟! العمل أن نتوب إلى الله ونُتْبِعَ السيئة حسنة لتكفرها، والله أعلم.
قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ " [الأعراف: 201] أي أبصروا طريق التوبة والإنابة والاستغفار؛ بل ويوضح هذا جليًا قوله – تعالى – مبينًا إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين واستقامتهم على ما آمنوا به، ولكن – مع ذلك – طلبوا المغفرة لما قد يقع بل يقع من تقصير، قال تعالى: " آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " [البقرة: 285].
وقد أشار المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أمره الناس بالاستقامة إلى أنهم لا يطيقون الاستقامة الكاملة كما في حديث ثوبان: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» وفي رواية لأحمد: «استقيموا ولن تطيقوا» وفي حديث أبي هريرة: «سدّدوا وقاربوا...» (متفق عليه).
فالمطلوب السداد - وهو: الإصابة والاستقامة - يقال: سددت الرمية في الهدف إذا أصبته؛ فالسداد هو حقيقة الاستقامة الكاملة المطلوب السعي إليها قدر المستطاع، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد؛ فإن لم تستطع فالمقاربة؛ كما قال: «وقاربوا» والمقاربة هي القصد وهي إصابة الغرض؛ فهي عزم للوصول إلى التسديد فإن لم يصل فحسبه صدق نيته وعزيمته وقصده، ولهذا قال في نهاية حديث أبي هريرة السابق: «والقصد القصد حتى تبلغوا» (رواه البخاري ومسلم).
فالمطلوب الحرص على السداد كما قال: «سددوا» وهو الإصابة والاستقامة الكاملة ؛ فإن لم يحصل فالمقاربة مع النية الصادقة والعزم للوصول إلى السداد، وإلا فليس بعدها إلا التفريط والضياع والهلاك، نسأل الله السلامة والعافية.
مختارات