" تنبيـه "
" تنبيـه "
ومن أهم ما ينبَّه إليه أن الاستقامة هي سلوك صراط الله المستقيم في كل أمر علمي وعملي، وصراط الله – كما قرَّر السلف أجمعون: وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، قال تعالى: " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا " [البقرة: 143].
فالاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم دون غلو ولا جفو، لا إفراط ولا تفريط، لا تساهل ولا تشدد، كما في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين» (انظر: الصحيحة).
يقول فضيلة شيخنا الشيخ صالح الفوزان: «الاستقامة هي: سلوك الصراط المستقيم من غير تعوج عنه يمنةً ولا يَسْرةً؛ بحيث لا يزيد عليه ولا ينقص منه؛ فلا يشدِّد ولا يتساهل؛ فإن الشيطان يشم قلب العبد رغبة في التساهل والتكاسل حتى يتحلل من الدين؛ فيترك الواجبات؛ ويفعل المحرمات، ولا يزال يغريه حتى يقطع صلته بالدين ويتركه في متاهات الهلاك وإن رأى من العبد حرصًا على الدين فلم يتمكن من صدِّه عنه أمره بالاجتهاد والجور على النفس ومجاوزة حد الاعتدال، قائلاً له: إن هذا خير وطاعة، والزيادة والاجتهاد فيها أكمل فلا تفتر مع أهل الفتور ولا تنم مع أهل النوم؛ فلا يزال يحثه ويحرضه حتى يخرجه عن الاستقامة، وهذا كحال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، وقراءتهم مع قراءتهم، وهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وكلا الطرفين ذميم؛ طرف التساهل وطرف الغلو، كلاهم خروج عن السنة والاستقامة؛ فالأول خروج إلى بدعة التفريط والإضاعة والثاني خروج إلى بدعة المجاوزة والإسراف ! قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريط وإما إلى مجاوزة، وهي الإفراط، ولا يبالي بأيهما ظفر زيادة أو نقصان؛ فكل الخير في الاجتهاد المقرون بالاعتدال والسير على السنة، وكل الشر في الخروج عن السنة عن طريق التساهل أو عن طريق الغلو».اهـ.
وقال أيضًا عن طريق الاستقامة: «إنه لا غلو ولا تشديد ولا تنطع في الدين؛ بحيث تجعل السنة كالفرائض، والمكروهات كالمحرمات، وتحرم النفوس مما أباح الله من زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق».
عن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا !! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ؛ لكني أصوم وأفطر، وأصلي، وأرقد وأتزوج النساء ؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني» (والحديث ثابت في الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – انظر: «مختصر مسلم» بتحقيق الألباني ) اهـ كلامه حفظه الله.
وصدق عليه الصلاة والسلام: «سيشدَّد هذا الدين برجال ليس لهم عند الله خلاق» (انظر: صحيح الجامع وانظر: الصحيحة ) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر ولن يشادّ هذا الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (رواه البخاري والنسائي عن أبي هريرة وفي رواية النسائي (وبشروا ويسروا)، انظر: الصحيحة).
والسلف الصالح وأتباعهم وسط في جميع أمورهم؛ فلا تنطع ولا تكلف لم يأمر الله به، ولا تساهل وتهاون؛ إنما هي وسط في الأمور الاعتقادية، والتعبدية، والخلقية، والسلوكية، وفي المعاملات وغير ذلك.
ولكن ما هو ميزان الغلو؟
أهو تساهل المتساهلين ! أم كتابة الجهلة من الصحفيين الذين لا علم لهم بالدين ! أم فتاوى الملفقين والمتساهلين الذين يبحثون عن الرخص فقط ! فيعتبرون الحجاب، واللحية، وتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلمغلوًا... الجواب: لا... !! إن الميزان هو ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على فهم السلف الصالح رحمهم الله تعالى:
فالعلـم قال الله قـــال رسولـــه قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسـول وبين قــول فــلان
فليتنبه لهذا، وإنما الرخصة هي ما كانت بدليل صحيح صريح من الوحي، وليس على ما يشتهيه الناس، وذلك بالرجوع إلى العلماء الثقات من علماء السنة والأتباع؛ لا البدعة والتلفيق، كما قال تعالى: " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [النحل: 43].
مختارات