" الخلاصة "
" الخلاصة "
فتبين مما سبق وتقدم من كلام السلف المشرق الواضح النّير، الذين مدحهم ابن القيم والقحطاني بقولهما: «قال الصحابة هم أولو العرفان»، وهم: «أبرّ الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا، كانوا على الهدي المستقيم» كما وصفهم ابن مسعود رضي الله عنهم.
أقول: تبين لنا أن المقصود لنا بالاستقامة: أن تستقيم قلبًا وقالبًا، علمًا وعملاً، منهجًا وغاية وطريقة على منهج السلف الصالح جملة وتفصيلاً في العقيدة والعبادة والمعاملة والخلق والسلوك في الفهم ومنهج التلقي، وطريقة العمل وأسلوب التبليغ والدعوة؛ لا تلتفت يمنة ولا يسرة عن منهج الله – عز وجل ؛ لا لشرق وثني، ولا لغرب كافر:
ففكر الشرق يتعسني وفكر الغرب يشقيني
لا لمبتدع ولا لزنديق ضال، ولا منحرف عن هذا المنهج السوي، وإن كثر أنصاره وأتباعه؛ (فالجماعة هي الحق وإن كنت وحدك) كما قال ابن مسعود، وهذا المنهج منهج أهل السنة والجماعة، الذي يجب أن نستقيم عليه علمًا وعملاً، ظاهرًا وباطنًا، هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته.
هو منهج الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة الذي لا يقبل عند الله سواه، وما سواه فضلال وغيّ، قال تعالى: " فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا " [البقرة: 137] وفي حديث افتراق الأمة المشهور، قال صلى الله عليه وسلم: «كلها في النار إلا واحدة» فلما سأله الصحابة عنها قال – محددًا المنهج -: «ما أنا عليه وأصحابي» (رواه الترمذي، انظر: صحيح الجامع، والمشكاة) أي مثل ما عليه الرسول وصحابته في العقيدة والفهم والعبادة والمعاملة والخلق والسلوك.
إذًا مفهوم الاستقامة: توحيد الله توحيدًا صادقًا كما وحده المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدم الإشراك به؛ توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، والثبات على كلمة التوحيد بعد فهمها فهمًا صحيحًا حتى الممات.
مفهوم الاستقامة لزوم الأمر، واجتناب النهي، وأداء الفرائض، واجتناب المحارم، فنلتزم الأوامر ونقول بلسان الحال والمقال: «سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير» وننتهي عما نهى الله عنه ورسوله، وكل ذلك برضى وتسليم وانشراح صدر تام؛ قال تعالى: " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " [النساء: 65].
مفهوم الاستقامة إخلاص العمل في ذلك كله له وحده ولا نشرك معه أحدًا.
مفهوم الاستقامة محبة الله محبة حقيقية، وذلك يستلزم الرجاء لما عنده، والخوف منه، وهذه صفات العبادة الحقة حب وخوف ورجاء وعبوديته عبودية صحيحة تستلزم الحب التام والخضوع التام مع الذل للمعبود.
والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة الخالصة لوجهه، الموافقة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما قرَّر العلماء (انظر: «العبودية» لابن تيمية وانظر: «مجموعة التوحيد»).
مفهوم الاستقامة أن تستمر وتثبت على ما اعتقدت وآمنت به وصدقت، وأن تحافظ على أعمالك الصالحة حتى الممات، فلا يكون هذا في زمن دون آخر ولا مكان دون غيره، ولا مع قوم دون آخرين.
وإنما: " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " [الحجر: 99].
إذًا فهي باختصار كلمة تعني: «جماع الدين كله».
مختارات