السلف الصالح مع اللسان
السلف الصالح مع اللسان:
أسوق إليك أيها الأخ الحبيب مواقف قليلة جداً عن حال السلف مع ألسنتهم:
ذكر الإمام مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه أي يجره بشدة، فقال عمر: (مَـه !! غفر الله لك " فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: " إن هذا أوردني الموارد " ). من القائل؟ الرجل الأول بعد الأنبياء والرسل رضي الله عنه وأرضاه، القائل أبو بكر، انظر إلى حرصه على لسانه رضي الله عنه وأرضاه..
قال رجل: رأيت ابن عباس آخذاً بثمرة لسانه وهو يقول: (ويحك، قل خيراً تغنم واسكت عن شرٍ تسلم. قال: فقال له الرجل: يا ابن عباس، مالي أراك آخذاً بثمرة لسانك وتقول كذا وكذا؟.. قال ابن عباس: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيءٍ أحنق منه على لسانه، يعني لا يغضب على شيءٍ من جوارحه أشد من غضبه على لسانه)، والأثر أخرجه ابن المبارك وأحمد وأبو نعيم وأيضاً أخرجه أحمد في كتاب الزهد، والمتن بجميع طرقه حسن والله أعلم.
وقال عبد الله بن أبي زكريا: (عالجت الصمت عشرين سنة – انظر للحساب.. انظر محاسبة النفس – عالجت الصمت عشرين سنة فلم أقدر منه على ما أريد)، وكان لا يدع يعاتب في مجلسه أحد، ويقول: (إن ذكرتم الله أعنـّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم)، انظر للضابط " إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم.
وكان طاووس بن كيسان رضي الله عنه يعتذر من طول السكوت ويقول: (إني جربت لساني فوجدته لئيماً راضعاً). هؤلاء هم رضي الله عنهم.. فماذا نقول نحن عن ألسنتنا؟!
وذكر هناد ابن السري في كتابه الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال: (يخشون أن يكون قولنا " حميد الطويل " غيبة لأنهم بينوه ونسبوه أنه طويل). حميد الطويل يخشون أن تكون غيبة، رحمة الله عليهم أجمعين.
وأخرج وكيع في الزهد وأبو نعيم في الحلية من طريق جرير بن حازم قال: (ذكر ابن سيرين رجلاً فقال: ذلك الرجل الأسود.. يريد أن يعرّفه.. ثم قال: أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته).
وكان عبد الله بن وهب رحمه الله يقول: (نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني – يعني تعبت – فكنت أغتاب وأصوم أغتاب وأصوم.. فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة)، جرب هذا، كلما اغتبت أحداً أو ذكرته بسوءٍ فادفع ولو ريالاً واحداً.. الله أعلم بحالنا.. في آخر الشهر لن يبقى من الراتب ولو ريال واحد.. لأنا أعرف بأنفسنا في المجالس أيها الأحبة، والله المستعان !
قال النووي في الأذكار: بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: (كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، فوجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها.. قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان !!)
قال إبراهيم التيمي: (أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمع منه كلمة تعاب).
وقيل للربيع: (ألا تذم الناس؟ قال: والله إني ما أنا عن نفسي براضٍ فأذم الناس؟ إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس، وأمنوه على ذنوبهم)، وصدق رحمه الله، صدق.
ألا ترون أيها الأحبة في مجالسنا نقول: نخشى عذاب الله من فعل فلان، ونخاف من عقاب الله من قول علان، ولا نخشى الله من قولنا وفعلنا.. وهذا ظاهر في مجالسنا نقول: نخشى من عذاب الله من عمل فلان وعلان، ولكننا ننسى أن نخاف على أنفسنا من عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا.
ارجع لنفسك وانظر لعيوبها قبل أن تنظر لعيوب الآخرين وتتكلم فيهم.
وقال حماد بن زيد: (بلغني أن محمد بن واسع كان في مجلس فتكلم رجل فأكثر الكلام، فقال له محمد: ما على أحدهم لو سكت فتنقى وتوقى). أي اختار كلماته وحسب لها حسابها.
وقال بكر بن المنير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول (أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً)، اسمع للثقة، والبخاري له كتب في الجرح والتعديل، ويقول الذهبي في السير معلقاً على قول البخاري هذا: (صدق رحمه الله.. ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه في من يضعفه فإن أكثر ما يقول – يعني أشد ما يقول البخاري إذا أراد أن يجرح رجلاً – يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا، وقلّ أن يقول فلان كذاب، أو كان يضع الحديث،حتى أنه قال: إذا قلت " فلان في حديثه نظر " فهو متهم واهن، وهذا معنى قوله " لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً " وهذا هو والله غاية الورع) انتهى كلام الذهبي.
هذا موقف السلف الصالح رضوان الله عليهم مع اللسان، والآن تعال إلى صورٍ من الواقع وهي عبارة عن مواقف مبعثرة وأحداثٍ متعددة تتكرر في مجالسنا كثيراً، اخترت منها عشرة مشاهد، أسوقها إليك فأصغ لي سمعك وفهمك وأحسن الظن فيّ فلعلي لا أحسن التصوير أو ربما خانني التعبير، ما أريد يعلم الله إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.
مختارات