" الشفـاعة "
" الشفـاعة "
عندما يشتد البلاء بالناس في ذلك الموقف العظيم ويطول بهم الأمر، يبحث العباد عن أصحاب المنازل العالية ليشفعوا لهم عند ربهم ؛ كي يأتي لفصل القضاء بينهم وتخليصهم من كربــات الموقف وأهواله واشتـداد حـرِّه بدنو شمسـه وضيقـه.
فيذهبوا أولاً إلى آدم عليه السلام ويطلبوا منه الشفاعة عند رب العالمين في الفصل بينهم ليستريحوا من مقامهم؛ فيأبي ويعتذر ويحيلهم إلى نوح عليه السلام فيأبي كذلك ويعتذر، ثم يحيلهم إلى موسى عليه السلام، وهكذا يحيلهم موسى إلى عيسى عليهم السلام جميعًا، ثم يدفعهم عيسى إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها» فيقوم مقامًا يحمده عليه الأولون والآخرون، تظهر به منزلته العظيمة، فيستأذن ربه فيأذن له فيحمده ويمجده، فيستجاب له، فيبدأ موقف الفصل والحساب بموقف جليل مهيب.
فيأتي الرب جل وعلا وتشرق أرض المحشر بنوره جل جلاله بعد أن ذهبت الأنوار جميعها وأظلمت الأرض.
ويُجاء بكتب الأعمال، ويحضر الشهداء من الملائكة والنبيين، قال تعالى: " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " [الكهف: 49].
وقال تعالى: " وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ " [الزمر: 69] ثم يُعرض الناس على ربِّهم صفوفًا صفوفًا في خشوع وذلة، قال تعالى: " وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا " [الكهف: 48].
ولشدة الهول تجثوا الأمم على الركب عندما يدعى الناس للحساب، لعظم ما يشاهدونه وما يسمعونه من الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد " وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " [الجاثية: 28].
فتتبع كل أمة ما كانت تعبد من دون الله تعالى وتتساقط في النار هي ومعبوداتها، فلا يبقى بعد ذلك إلا من عبد الرحمن من هذه الأمة وغيرها من الأمم، فيأتيهم ربُّهم فيقول لهم: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا فيعرفونه بساقه عندما يكشفها لهم، وعند ذلك يخرُّون له سجودًا إلا المنافقين فلا يستطيعون " يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ " [القلم: 42].
مختارات