" الخداع والمراوغة "
" الخداع والمراوغة "
وفي ميدان المراوغة والخداع قال سبحانه وتعالى: " وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [آل عمران: 72] فهم يتظاهرون بالإيمان من قبلهم أول النهار ويكفرون به آخره، وذلك لقصد الإيهام وإدخال الريب والشك في نفوس المسلمين حسب زعمهم ولؤم طبائعهم، ومن هنا يرتد عن الإسلام مَنْ آمن بالإسلام من العرب؛ حيث قالوا: لعلَّهم يرجعون: أي يرتدون عن الدين، وهذا هو دَأْبُهم ومكرُهم بالمسلمين من زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أوضح سبحانه وتعالى تضليلهم الماكر وحيلهم المتتالية وكيدهم المستمر ومراوغتهم الواهية؛ قال عز وجل: " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " [آل عمران: 78].
إن هذا التدليس قد فضحه الله، وأخبر أنهم تجار إفك وكذب، يكذبون على الله وهم يعلمون أنهم كاذبون يوهمون الناس بأنهم يتلون كتاب الله وإذا بهم يتلون كتاب الشيطان ووحيه الموحي به إليهم، يلوون ألسنتهم بالكتاب ليتخذوا من لَيِّهم وتأويلاتهم مقررات تتفق مع ميولهم وأهدافهم وهوى في نفوسهم، يُسَخِّرون كتاب الله لأهوائهم السائدة وآرائهم المبتدعة التي تصادم حقيقة الدين ومراد الله، يتصيدون الشُّبَهَ ويخترعون الألفاظ؛ فيزعمون أن ذلك هو مراد الله من كتاب الله وهو من عند الله، وفي الحقيقة أنه ليس من كتاب الله ولا ينم عن مراد الله.
وإنما حوَّروا ودوَّروا وزوَّروا من الألفاظ ما يلبس الحق بالباطل؛ فيدعون إلى الباطل ويرغِّبون الناس فيه ويكتمون الحق ويحذرون الناس منه، فسبحان الله؛ كيف مسخ الله عقولهم وقَلَبَ أفئدتَهم وأعمى بصائرهم وأبصارهم.
إن عقيدَتَهم الكذب وهديَهم الضلال ودينَهم الفجور وقولَهم الفُحش والزور، فلا يغترُّ بهم إلا جاهل بالإسلام أو منحرف مارق مغرور، وقد يوجَدُ الخداع والاحتراف بالدين عند غير أهل الكتاب حينما يضعف الوازع الديني في نفوسهم ويرخص الإيمان بالله في قلوبهم، فيتخذون الإيمان سُلَّمًا لأهداف ذاتية، ويتخذون من الدين حرفة تُدِرُّ عليهم مكاسبَ ماديَّةً.
مختارات