" يُنْكِرون الأمر بالمعروف في الإسلام "
" يُنْكِرون الأمر بالمعروف في الإسلام "
لقد سلك العلمانيُّون الأدعياء سبيلَ اليهود في التَّضْليل والتَّزوير والمغالَطة " يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ " ليوهموا العامَّة أنَّهم أهلُ فكر وعلم، وحين يَتَمَعَّنُ البصيرُ بأحكام الشرع الإسلامي يجدهم صفرًا في معرفة الأحكام الشرعية، وإنما يسيرون على نهج سادتهم من أهل الكتاب تقليدًا وثرثرةً بلا وعي حين قَصَّ اللهُ خبرَهم في قوله سبحانه وتعالى: " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " [آل عمران: 78].
ينكرون شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويطعنون في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم والإمام أحمد وأصحاب السنن: «مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». يقول الدكتور صبحي منصور في كتابه " الحسبة بين القرآن والتراث ": إن حديث «مَنْ رَأَى منكم منكرًا فليغيره بيده... " الحديث - يزعم أن هذا ليس بحديث، وإنما هو موضوع من اختراع فقهاء الحنابلة، وشَنَّعَ بقذارته ونَتَنِه على علماء السَّلف - خصوصًا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - هكذا قال، ومن قبله سيد القمني الذي يحمل لقب دكتور قال: " إنه لا يسمح أن يسأله أحد عن عقيدته الدينية؛ لأنَّ من يريد أن يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى توكيل من الله، والإسلام لا يعرف التوكيلات ".
قلت: وإذا كان قد فَضَحَهم جَهْلُهم - يظهر ذلك من كلامهم وفلتات ألسنتهم - فإنه لا يُكْتَرَثُ بكلامِهم، وإنما القصد من تَفْنِيدِ مزاعمهم وكشف أكاذيبهم: لئلَّا يُفْتَتَنُ بما يُرَوِّجونه ضدَّ الإسلام ونبي الإسلام وصحابته الغُرِّ الميامين وعلماء المسلمين، ومناصرةً لإخواننا علماء ذلك البلد الذين وقفوا موقفًا مُشَرِّفًا مطالبِين بمصادرة تلك الكتب التي نشروا فيها فسادهم وكفرَهم وفجورَهم؛ حيث طالبوا بحرق تلك الكتب الإلحادية المضلِّلة وأوضحوا أنهم جهلة بالإسلام !
" دليل الأمر بالمعروف من الكتاب والسنة "
ذكرتُ في أول فصل (لا يَعْلَمون الكتابَ إلا أمانيَّ) أنهم جهلةٌ بالإسلام كلَّ الجهالة، وأكرِّرُ العبارة هنا؛ حيث أُورِدُ نصوصَ وجوبِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما أساسُ الملة وأصلُها؛ قال جل جلاله: " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [آل عمران: 104] وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف وَلَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عقابًا من عنده، ثم لَتَدَعُنَّه فلا يستجيب لكم» [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن].
وفي الصحيحين من حديث حذيفة في «فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وفي الصحيحين أيضًا من حديث النهي عن الجلوس في الطرقات عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن كنتم لابد فاعلين فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: «حق الطريق كف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
وفي صحيح مسلم من حديث أبي رافع عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بَعَثَه الله قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم تخلف مِنْ بَعْدِهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حَبَّةُ خَرْدَل».
وفي فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال جل شأنه: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " [آل عمران: 110] وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كنتم خيرَ أمة أخرجت للناس» قال: «خير الناس للناس، تأتون بهم بالسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام»، وقال عز وجل في وصف قوم من أهل الكتاب مؤمنين: " يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ " [آل عمران: 114]وقال جل جلاله فيمن يَتَّبِعون النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدون بهديه: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ " [الأعراف: 157] وقال عز وجل في وصف المؤمنين: " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " [التوبة: 71] وقال سبحانه وتعالى في أهل التَّمكين في الأرض: " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ " [الحج: 41].
وفي وصية لقمان لابنه قال عز وجل: " يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور " [لقمان: 17].
وفي حديث أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتَى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه فيدور عليها كما يدور الحمار بالرحى، فيقال: يا هذا، أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه» [الحديث متفق عليه].
جهلهم بالكتاب والسنة، ومما تقدَّم مِنْ أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتَّضح بجلاء جهلُ مَنْ أنكر وجوب الأمر بالمعروف من وجوه:
1- صرَّحوا أنه لا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا بتوكيل من الله حسب زعمهم، وأن حديث «مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه» ليس بحديث؛ وإنما هو من وَضْعِ فقهاء الحنابلة.
2- إذا كان هذا الحديث المثبت بصحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري من وضع فقهاء الحنابلة فَمَنْ هم الفقهاء الذين وضعوا الثماني الآيات التي أوردتها آنفًا؟ إن هؤلاء العملاء لا يعرفون الآيات القرآنية ولا يعلمون أين تقع من كتاب الله !!
3- يبدو واضحًا أنهم ليسوا بمسلمين؛ حيث صَرَّحوا هم أنَّ النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم كان قصدُه مِنْ دعوته إلى الإسلام تحقيق طموح جَدِّه عبد المطلب في إقامة دولة قرشية، وليس من أجل إقامة دين الإسلام الحنيف !!!
4- إنهم لا يتكلمون بالإسلام أو عنه رغبة فيه؛ وإنما مِنْ باب المغالَطة والتشكيك فيه؛ لترويج باطلهم على طريقة سادتهم المبَشِّرين من النصارى وأحبار اليهود.
مختارات