" مشهد الحساب "
" مشهد الحساب "
حدثنا كتاب ربنا، سبحانه، عن مشهد الحساب فقال: " وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " [الزمر: 69] وحسبنا أن نعلم أن القاضي والمحاسب في ذلك اليوم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأرض ليتبين لنا عظم هذا المشهد وجلاله ومهابته، وقال الله تعالى " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " [البقرة: 210] وهو مجيء الله بكيفيته، نؤمن ونعلم أنه حق، ولا نؤوله ولا نحرفه، ولا نكذب به، والآية تنص على مجيء الملائكة، فهو موقف جليل تحضره ملائكة الرحمن بكتب الأعمال التي أحصت على الخلق أعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم ليكون حجة على العباد، وهو كتاب لا يغادر صغيره ولا كبيرة إلا أحصاها " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا " [الكهف: 47].
ويجاء في موقف القضاء والحساب بالرسل، عليهم السلام، ويسألون عن الأمانة التي حملهم الله إياها، وهي إبلاغ وحي الله إلى من أرسلوا إليهم، ويشهدوا على أقوامهم ما علموه منهم.
ويقوم الأشهاد في ذلك اليوم العظيم فيشهدون على الخلائق بما كان منهم، والأشهاد هم الملائكة الذين كانوا يسجلون على المرء أعماله ويشهد أيضًا الأنبياء كما تشهد على العباد الأرض والسماء والليالي والأيام. أما الأنبياء، عليهم السلام، قال الله فيهم " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " [النساء: 41].
وعن الملائكة قال الله تعالى: " وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ " [ق: 21].
وعن شهادة الأرض قال الله عز وجل: " يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا " [الزلزلة: 4].
فإذا لج العبد في الخصومة، وكذب ربه وكذب الشهود الذين شهدوا عليه، أقام الله، عز وجل، عليه شاهدًا منه، فتشهد على المرء أعضاؤه، ويصف الله جل وعلا هذا التخاصم فيقول، سبحانه: " وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [فصلت: 19-23].
وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله فضحك فقال: «هل تدرون مم أضحك؟» قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب: ألم تجرني من الظلم؟ قال يقول: بلى، قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا قال فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدًا لكن وسحقًا، فعنكن كنت أناضل»(رواه مسلم).
وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت أفلح ونجح وإلا خاب وخسر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر وإن انتقص من فريضة قال الرب: أنظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك» (صحيح: صحيح الجامع).
مختارات