" العثرة السابعة عشرة "
" العثرة السابعة عشرة "
مرض الأطفال لا يستغرب وكثرة شكواهم من تقلبات الجو أصبحت معروفة لكل أب وأم..
يومًا حملت طفلي وذهبت أنا وزوجتي إلى الطبيب.. قعدت على كرسي في مكان انتظار الرجال وذهبت زوجتي إلى مكان انتظار النساء.. لم يطل بنا المكوث.. أقل من عشر دقائق فإذا بنا بين يدي الطبيب..
وعندما قفلنا عائدين حدثتني زوجتي أنها قابلت امرأة في انتظار النساء.. بدأت تحدثها عن حالتها وتشتكي مرضها وأنها تعبت من زيارات الأطباء ومن مراجعة المستشفيات.. وروت قصتها مع المرض ثم عرجت على عدم طاعة الأبناء وعددتهم بالأسماء.. أحدهم لا يطيعها وهو نوام أكول.. وآخر في المنطقة الشرقية منقطع عنهم..
وختمت الحديث عن زوجته.. وأنها سليطة اللسان.. لا تحبها ولا تودها ولذلك زياراتهم متباعدة ومحادثتهم بالهاتف نادرة.. ولم تنس نصيب الزوج.. وأنها تتألم من مساء أمس ولم يأت بها إلا اليوم..
حديث طويل.. في دقائق معدودات..
تعجبت.. أتعرفك؟ قالت: لا.. بل ولم أسألها عن اسمها ولم تسألني.. بل هو حديث القلب.. بث للهموم والغموم.
سألت: ما الفائدة؟ هذه أسرار البيوت؟!
رأت زوجتي تعجبي واستغرابي من الأمر..
قالت: جزء من مجتمع النساء هكذا.. مجالس شكوى وساعات بث ما في الصدور والقلوب.. بل إن بعض النساء تحدثك بقصص وأحاديث تخجل من سماعها.. وكثير من النساء هذا ديدنهن.. الشكوى والتذمر قبل أن تسأل.. ثم الشرح والتوضيح يتبعه اللوم والعتاب..
ولو طال المجلس لأتاك حديث مفصل لكل شيء؟! ولا تنسى المتحدثة أن تعرج على رأي زوجها في السياسة والمجتمع و...؟! يزيد عجبك وأنت تسمع من البعض أن البيت الفلاني به كذا وكذا من العيوب والنقائص والمشاكل..
وتعجب هذه أسرار البيوت من يتجرأ أن يتجسس عليهم ويتحسس أخبارهم ويأتي بكل دقيق وجليل.. بل وكل حديث.. وكلمة.. وكل طموح وأمنية؟!
ولكنك تفاجأ أن والدتهم أخبرت فلانة جارتهم أو أن ابنتهم أخبرت زميلتها أو أن زوجة ابنهم أعلمت بالخبر..
ليس الأمر - أختي - حالة فردية لا تقاس.. بل إن الملاحظ أن بعض النساء يتركن لألسنتهن الحديث بكل شيء.. وفي كل شيء.. حتى بعض الفتيات المتعلمات -هداهن الله- يسرن في الركب خاصة إذا كانت الشكوى من الزوج أو أهل الزوج فتراها تنثر عن الزوج كل مكنون.. عن كل ما باح لها من أسرار ومن آمال وطموحات.. فتفاجأ وأنت في مجلس عامر أن يسألك أحدهم بصيغة التقرير والتأكيد.. سفرك بعد خمسة أشهر؟ ولا تستعجب من أعلمه بهذا ومن أطلعه على هذا.. وحديثك لم يخرج من منزلك بل ربما تجد من يبارك لك بشراء الأرض أو السيارة.. ويطول تفكيرك وتتذكر أن هذا لم يكن على أرض الواقع.. بل مجرد نية نويتها.. وأفرحت بها زوجتك.. فتسأل من أعلمه..؟
إنه أنت - يا أخية - !!
كيف تجعلين ما استودعك من أسرار.. باب مفتوح وكتاب ملقى ولسان مطلق.. فهذه عثرة.. وأي عثرة.. بل ربما تكون سببًا في طلاق أو عدم ثقة أو كارثة تحل بزوجك؟!
ثم - يا أخية - ما الفائدة من ذلك؟!
شماتة الناس وتهكمهم على أخباركم والتندر بزلاتكم وتعداد عيوبكم.. فلا وجدت الدواء ولا سلمت من الداء..
ولو أن أحدًا تجسس عليكم وأشاع أسراركم لغضبت.. وقمت ثائرة.. تتوعدين وتنذرين !!
أختي الكريمة: أنت تقومين بهذا الدور طائعة مختارة وأنت تعلمين أن الناس بين ذام وحاسد.
ما بعد العثرة:
اجتمع قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، ووجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها، قال: وما هي؟ قال: حفظ اللسان [الأذكار النبوية].
مختارات