" الصدقـة "
" الصدقـة "
(فقه السنة) دعا الإسلام إلى البذل وحض عليه في أسلوب يستهوي الأفئدة ويبعث في النفس الأريحية ويثير معاني الخير والبر والإحسان، وكما سبق ذكرت في فضل حسن الخلق في الحث على الجود والمنافسة وذم الخلق السيئ كالشح والإسراف... إلخ.
وليست الصدقة قاصرة على نوع معين من أعمال البر، بل إن القاعدة العامة تقول: إن كل معروف صدقة، وهذا بعض ما جاء في ذلك:
أنواعها ومميزاتها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على كل مسلم صدقة»، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: «يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق» قالوا: فمن لم يجد؟ قال: «يعين ذا الحاجة الملهوف» قالوا: فإن لم يجد؟ قال: «فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر، فإنها صدقة»... الحديث.
المعنى هنا واضح وجلي: أي يعين ذا الحاجة المستغيث، سواء كان مظلومًا أو عاجزًا، ويعمل المعروف ويكف عن الشر هو له صدقة.
2- الصدقة (الصدقة تكمل الزكاة كالنوافل والسنن للصلاة، أي من أراد الزيادة عن أركان الإسلام الخمسة فإن له مجال واسع (من الركن الثاني إلى الخامس)) ليست مقصورة على المال، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه» قلت: يا رسول الله من أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: «إن من أبواب الصدقة التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوك عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي العمى، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جماع زوجتك أجر...» الحديث (رواه أحمد واللفظ له).
نجد في هذا الحديث العظيم قمة التكافل الاجتماعي والترابط بين المسلمين.
3- كذلك ليست مقصورة على شيء معين، ونجد في هذا الحديث أيضًا كيف تقابل أخاك المسلم بوجه حسن وأن لك أجرًا في ذلك حيث تغرس المودة والألفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة...» الحديث (رواه أحمد ومسلم).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة. ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إنائه... » الحديث (رواه أحمد والترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يغرس مسلم غرسًا ولا يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة...» الحديث (رواه البخاري).
المعنى: أن الصدقة ليست مقصورة للإنسان بل قد تكون الصدقة على الحيوان.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح...» الحديث (رواه الطبراني).
الكاشح: أي الذي يظهر العداوة، وبها تنطفئ نار العداوة، وتنقلب إلى العكس، تسامح ومودة.
خصائص الصدقة:
ومما تمتاز به الصدقة أنها من الأعمال الصالحة حتى ولو بعد الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» الحديث (رواه أحمد ومسلم).
إخفاؤها أفضل؛ لأنها تبطل بالمن والأذى والرياء، كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ " [البقرة: 264].
لا يقبل الله الصدقة إذا كانت من حرام.
يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إذا علمت رضاه، ويحرم العكس.
جواز الصدقة على الذمي والأسير والحربي والحيوان والقريب، كما سبق ذكره.
للصدقة تأثير عجيب في دفع البلاء وغيره من الأذى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء...» الحديث (رواه الترمذي).
وبالصدقة (الوابل الصيب) يذهبُ الله الكبر والفخر، كلما تصدق المتصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره، فهي بمنزلة الجبة التي عليه فكلما تصدق اتسعت وانفسحت وانشرح صدره وقوي فرحه وعظم سروره، ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان حريًا بالعبد أن يستكثر منها ويبادر إليها، والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة.
روى (رواه أحمد) عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم.
الصدقة تفدي العبد من العذاب وتفكه منه، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار...» الحديث (رواه البخاري ومسلم).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة تطفئ غضب الرب» الحديث (رواه الطبراني في الأوسط).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال...» الحديث (رواه مسلم) – أي الصدقة تزيد في المال ويكون صاحبها من الفالحين، كما في الآية، قال تعالى: " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [الحشر: 9].
مختارات