" صفات النفس الخلُقية والمطلوب منها "
" صفات النفس الخلُقية والمطلوب منها "
(مختصر منهاج القاصدين) إن الخُلق الحسن صفة الأنبياء والصديقين، وكثيرًا ما نسمع أن فلانًا من الناس حسن الخَلق والخلُق، أي: حسن الظاهر والباطن، فالمراد بالخَلق (بالفتحة): الصورة الظاهرة، وأما المراد بالخُلق (بالضمة): الصورة الباطنة، وذلك أن الإنسان مركب من جسد ونفس، أي: مادة وروح؛ فالجسد مدرك بالبصر (العين) والنفس مدركة بالبصيرة (القلب)، ولكل واحدة منهما هيئة وصورة إما جميلة وإما قبيحة، والنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرًا من الجسد المدرك بالبصر، لذلك عظّم الله سبحانه وتعالى أمرها، فقال تعالى: " إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي " [ص: 71، 72].
فنجد في الآية الكريمة أن الخالق سبحانه وتعالى نسب هذا المخلوق إلى أصله الذي هو الطين ونسب الروح إليه سبحانه وتعالى.
إذًا فالخُلق (بالضمة) عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الأفعال جميلة سميت خلُقًا جميلاً وحسنًا، وإن كانت قبيحة سميت خلُقًا سيئًا وقبيحًا، ويجب أن نعلم أن الأخلاق تتغير وتتأثر بالمواعظ والوصايا، لذا فإن دوامها يؤثر كما أن تعاطي أسباب الفضائل يؤثر في النفس ويغير طباعها، وكذلك بمصاحبة أهل الأَخلاق الحسنة وأهل الخير ومجالس الذكر وأهل العلم، وكما في الحديث (رواه الترمذي) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» ويجب أن لا ننسى أن الاعتدال في الأخلاق هو صحة في النفس، والميل عن الاعتدال سقم ومرض، فالنفس كالجسد تحتاج إلى علاج والجسد لا يخلق كاملاً وإنما يكمل بالتربية وبالغذاء، وكذا النفس تكتمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم.
وكما ذكرت أن الاعتدال مطلوب في الأخلاق ولكن يجب أيضًا أن نلفت الأنظار إلى أننا قد نصاب بالتطرف والغلو أو التفريط والتقصير، فمن ذلك نرى أن النفس قد تتصف بصفات الخير أو بصفات الشر، ومع ذلك:
خشوع الإيمان وخُشوع النفاق: خشوع الإيمان: هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ممتلئة من الوجل والخجل والحب، فبخشوع القلب تخشع الجوارح وتخمد نيران شهوته ويطمئن القلب بالسكينة ويشرق فيه نور الله، بينما خشوع النفاق نجده على الجوارح تصنعًا وتكلفًا والقلب غير خاشع أي: ليس حاضرًا، ومشتت الفكر والنظرات.
شرف النفس والتيه: شرف النفس: هو صيانتها عن الدنايا والرذائل والمطامع التي تقطع الأعناق، وبذلك يتحقق إكرام النفس وإعزازها بخلاف التيه الذي هو عبارة عن خلق متولد بين أمرين: إعجابه بنفسه، وازدرائه بغيره، وبهذا يكون عبدًا دنيئًا وضعيفًا وخسيسًا.
الحمية والجفاء: الحمية: هي فطام النفس عن رضاع اللؤم كالخبائث والرذائل... إلخ بعكس الجفاء الذي هو: غلظة في النفس، وقساوة في القلب، وكثافة في الطبع، يتولد عنها ما يسمى بالجفاء.
التواضع والمهانة: التواضع: هو خلق يتولد من العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته وتعظيمه ومحبته وإجلاله ومن معرفة العبد بنفسه وعيوبه، فيتولد من ذلك كله خلق التواضع وهو انكسار القلب لله والذل له، فلا يرى له على أحد فضلاً، ولا يرى له عند أحد حقًا، بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه.
والتواضع المحمود على نوعين:
أ- تواضع العبد عند أمر الله امتثالاً وعند نهيه اجتنابًا، فالنفس تطلب الراحة وتتلكأ في أمره فيبدو منها نوع إباء وهروب من العبودية، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه فقد تواضع للعبودية.
ب- تواضع لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه فكلما شمخت نفسه ذكر عظمة الرب تعالى وتفرده بذلك وغضبه الشديد على من نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه وانكسر لعظمة الله قلبه واطمأن لهيبته.
أما المهانة فهي الدناءة والخسة وبذل النفس وابتذالها في نيل حظوظها وشهواتها فسيطر عليها هواها وسهل مدخل الشيطان عليها.
الحمية لله والحمية للنفس: فالأولى يثيرها تعظيم الأمر فإذا غضب فإنما يغضب من أجل الله وتعظيم حق الله ولا يهدأ حتى ينتقم لله، بعكس الثانية التي يثيرها تعظيم النفس والغضب لفوت حظوظها ومنافعها الدنيوية.
الجود والإسراف: الأولى: تكون في الحكيم، يضع العطاء في مواضعه، ومنه السخاء. بينما الثانية: فيكون العطاء مرة في موضعه وكثيرًا في غير موضعه وهي صفة مذمومة.
المهابة والكبر: الأولى: هي امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وظهور ذلك على وجهه فمالت إليه الأفئدة، وقرت به العيون، وأنست به القلوب، فإن تكلم أخذ كلامه بالقلوب والأسماع، وإن سكت علاه الوقار، بينما الكبر: أثر من آثار الإعجاب بالنفس والبغي، وهذا ناتج من قلب امتلأ بالجهل والظلم، حيث لا يرى حقًا لأحد ولا فضلاً، وتكون نظرته للناس بغضًا أو حقدًا ويعاملهم بالاستئثار لا الإيثار والإنصاف، ويقرب من ذلك الصيانة والتكبر، فالأولى تراه يجتنب الذنوب وآثارها، بينما الثانية العلو فهو يقصده.
الشجاعة والجرأة: الأولى: هي الثبات واستقراره عند المخاوف، وهو خلُق يتولد من الصبر وحسن الظن، فإنه متى ظن الظفر وساعده الصبر ثبت، وهي حرارة القلب وغضبه وقيامه وانتصابه وثباته، فإذا رأته الأعضاء أعانته وخدمته، بينما الجرأة: هي إقدام سببه قلة المبالاة وعدم النظر في العاقبة، بل تقدم النفس في غير موضع الإقدام معرضة عن ملاحظة العارض فإما عليه وإما لها.
الحزم والجبن: الأولى: تدل على القوة والإجماع، أي: جمع همه وإرادته وعقله ووزن بعضها ببعض فأعد لكل منها قرنه ومنه ألقوه في أمر الله، بينما الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر، فلا يظن الظفر ولا يساعده الصبر، وأصله من سوء الظن ووسوسة النفس بالسوء، ويُقال: إنه ينشأ من الرئة حيث إن الرئة تنتفخ فتزاحم القلب في مكانه وتضيق عليه حتى تزعجه عن مستقره فتصيبه الزلازل والاضطرابات لإزعاج الرئة وتضييقها عليه، ولهذا جاء في حديث(رواه أحمد) عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم «شر ما في المرء جبن خالع وشح هالع» وسمي بذلك الجبن خالعًا؛ لأنه يخلع القلب عن مكانه ويزيله عنه، وإذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل فظهر الفساد في الجوارح فوضعت الأمور على غير موضعها.
مختارات