" شبح الطلاق "
" شبح الطلاق "
بأي نظرة ينظر المجتمع للمطلقة.. أليست إنسانة مثل غيرها من الناس.. لماذا هذه النظرة القاسية للمطلقة وكأنها ارتكبت حرامًا أو جريمة لا تغتفر.. ألا يكفيها ما حل بها من بلاء.. إنها حقًا مسكينة.
هذا ما أفضت به هيفاء لصديقتها وداد وقد أدمى قلبها نظرات النساء، بل وأيضًا الرجال لعموم المطلقات ومن بينهن هي.. فما أن يتقدم لها أحد ويعلم أنها مطلقة إلا وينسحب، بل ويفر هاربًا.
أكملت: إنني مثل غيري من الفتيات أحلم ببيت أُسري هادئ بأطفال يعيشون في كنفي وحضني ولكن ماذا أفعل إذا لم يحصل التوافق والتوفيق.. ماذا أفعل إذًا؟
استحالت حياتي جحيمًا لا يطاق.. لقد بذلت كل جهدي حتى لا يهدم بيتي.. ولكن ما باليد حيلة.. والحمد لله على كل حال.. إني راضية بما كتبه الله لي.
في أثناء ذلك شطح تفكيرها بعيدًا وعادت عدة سنين إلى الوراء.. فتراءت لها صورة الماضي الأليم في بيت مطلقها.. لا تنسى تلك المعاناة التي واجهتها منه ومن أهله.. ثلاث سنوات كانت بالنسبة لها عذاب وظلم وهوان وشقاء.. وكانت تقابل كل ذلك بالصبر واحتساب الأجر واللين في التعامل معهم لعل قلوبهم تلين.. لعل حالهم يصلح ولكن لا فائدة كانوا يزدادون صلفًا وتجبرًا وظلمًا، بل وصل بهم الأمر إلى ضربها وهي في شهورها الأولى لأول حمل لها.. فنقلت على أثر ذلك إلى المستشفى فقد سبب فعلهم ذاك في سقوط حملها.. كان شبح الطلاق يطارد هيفاء في كل مكان.. لم يغب عن مخيلتها ذلك اليوم العصيب في حياتها عندما طردت من قبل زوجها وأهله.. أخرجوها إلى قارعة الطريق وفي وقت متأخر من الليل وسبب ذلك انشغالها بكي الملابس عن وجبة العشاء التي كانت على النار مما أدى إلى احتراقه، إنا تتحمل أعباء البيت كلها على رأسها.. وما أن علموا بذلك حتى تجمعت عليها الأسرة.. سبًا وشتمًا، بل وضربًا.. وعندما دافعت عن نفسها لترفض هذا الظلم وتدفعه عن نفسها.. قابلوا ذلك بطردها خارج البيت.. فهل يصدق أحد أن هناك أناسًا يتعاملون بمثل هذا الظلم والاستبداد والجبروت.. عادت هيفاء إلى منزل ألها كسيرة الخاطر باكية العين.. تعاني الظلم والهم والحزن والإرهاق.. ولكن دعوة المظلوم مستجابة ليس بينها وبين الله حجاب، لقد غفلوا عن مراقبة الله لهم.. نسوا أن عين الله لا تنام.. لم يبالوا بحرقة المظلوم وتفتت كبده وصدق دعائه وحقًا:
تنام عيناك والمظلوم يدعو عليك وعين الله لم تنم
وسبحان الله لم يمر على هذه الحادثة معهم إلا أسبوعان ويتناقل الناس خبر أن فلانة الابنة الكبيرة للعائلة تتطلق وعندها خمسة من الأبناء.. عادت إلى أهلها مهانة ذليلة مطرودة مثلها مثل هيفاء تمامًا.. ولقد جاءت جارتها أم أحمد لتزف لها هذا الخبر وكأنها تهدي لها بشارة، فردت هيفاء بعد أن علا محياها الكآبة والحزن.. اللهم لا شماتة.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. كان الله في عونها.. وجبر قلبها على بعدها عن أبنائها.
فقالت الجارة والتي علتها الدهشة والاستغراب: أبعد كل الذي فعلوه معك يكون موقفك هكذا؟!! فقالت: هذا أمر كتبه الله علي والحمد لله على كل حال.. وكيف نفرح بمصاب غيرنا ونحن قد تذوقتاه.. إنه الإيمان والتسليم واليقين والرضى بقضاء الله وقدره.
ولكن ما يكدر صفو هيفاء ويقض مضجعها النظرة السيئة للمطلقات.. ليتها تتغير وتزال عن عقول الناس.. أفاقتْ هيفاء من أفكارها وهواجسها على صوت صديقتها وداد والتي تيقنت أن صديقتها كانت تستعرض شريط ماضيها فتركتها مع نفسها قليلاً فاعتذرت هيفاء لصديقتها قائلة: إني أسعى جاهدة لمحو صفحة الماضي من مخيلتي ولكنني لا أستطيع.. إني أدعو الله أن يلهمني الصبر والثبات على دينه.. ومع كل ما سبق فإني راضية بما قسمه الله لي ولكن غيري غير راضٍ.. وكوني فشلت في زواجي الأول لا يعني أنني لا أصلح لأن أكون زوجة ناجحة وأمًا حنونًا.. لماذا لا نمنح فرصة جديدة.. لماذا لا نخوض التجربة مرة أخرى.. لماذا لا تزول تلك النظرة القاصرة للمطلقات..؟!!! اهـ.
مختارات