" خلل في الالتزام "
" خلل في الالتزام "
كانت طالبة في المرحلة المتوسطة من أسرة طيبة.. ترتدي الحجاب وتضمر في نفسها نية الاستقامة.. على طريق الإسلام..
وهي – مع نيتها الصادقة – لم تجد من يسدي لها النصيحة، ويدلها على الطريق الصحيح إلى الله جل وعلا.. فكانت تحب الالتزام.. ولكنها تجهل حقيقته وكنهه..
ومع انتقالها إلى المرحلة الثانوية التقت برفيقات كانت تعتقد فيهن الإخلاص والصلاح، فكانت إحداهن تستغرب فيها خجلها وتقول لها: (أنت أخجل صديقة عرفتها في حياتي) فكانت المسكينة تتحرج من سماع هذا اللوم.. ولو أنها أدركت مقاصد رفيقة السوء هذه.. لما حصل ما حصل !
فأصبحت مع طول معاشرة هؤلاء الطالبات.. ترتدي الحجاب.. ولكن أي حجاب ! لا تنظر إليه بقصد الستر والعقاب بأكثر ما تنظر إليه بقصد الإغراء والفتنة والزينة.. لقد أصبحت تركن إلى الشهوات.. وترتكب المعاصي والزلات.. وتقترف المنكرات والمخالفات.. لقد ضاع حياؤها.. وانقطع خجلها.. وأصبحت تنافس رفيقات السوء.. في تغنجهن ومشيتهن.. وزينتهن ونظراتهن.. إلا أنها لم تكن تقوى على اتخاذ خليل مثلهن.. فلا يزال هناك من الحياء في قلبها ما يمنعها من ذلك! ولكنها بعد دخولها الجامعة.. أصبحت تغار من رفيقاتها.. فكل واحدة منهن لها صديق تفخر بحبه وإعجابه.. وتزهو أمام الأخريات بلقائه ورسائله وكلامه.. أما هي فكانت تحرقها الغيرة من ذلك.. فلم تكن تقوى على الوقوع في الرذيلة.. ولم تكن تقوى على كبح نار الغيرة.. ولكنها مع مرور الأيام انطبعت فيها صفة تلك السفيهات فقررت عقد صداقة مع أحد الشباب كما هو حال رفيقاتها. وصدق الشاعر حينما قال:
ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي
لم تكن خلقتها بأجمل من صديقاتها.. لذلك قررت أن تبرهن لهن عن حسن منظرها.. ورغبة نفوس الشباب فيها.. فماذا صنعت؟
أصبحت تقلب نظراتها في كل غدوة وروحة؛ تبحث عن رفيق تحبه ويحبها؛ وكأنها بنظراتها تقول: هل من شاب يناسبني وأناسبه؟ ولم تزل طالقة بصرها في الزوايا والأركان.. حتى وقعت عينها على شاب هادئ خلوق.. فأصبحت تبادله النظرات.. وترسل له بالتفاتتها رسائل الإعجاب والتقدير.. ورفيقات السوء من وراءها بالتشجيع: (يا لحظك العظيم).
ومع الأيام تسلل حب ذلك الشاب إلى قلبها.. وأصبحت تبني عليه أحلامها.. وتترقب آمالها وأيامها.. وهو على ما كان يبديه من إعجاب كان خجولاً.. يكره مصاحبة الفتيات.. ويتردد في مصاحبة هذه الفتاة.. وكل ذلك كان يزيد من إعجابها وحبها له.. وما كادت السنة الجامعية تنتهي حتى رحل ذلك الشاب.. ولم يعبأ بها..
وهنا بدأت رحلة الضياع.. فقد بدأت المسكينة العاشقة.. تتجرع آلام عشقها.. وتتذوق مرارة إعجابها.. بذهاب ذلك الشاب عنها.. فقد تعلق قلبها به تعلقًا عجيبًا لم تطق معه الفراق.. مع أنه لم يكن يكترث بها كما كانت تتوقع.. فلم تعد تذاكر دروسها وضاعت عليها أهدافها.. وبقيت في حسرة وندامة مما يخالجها ثلاث سنوات.. لم تذق فيها طعام اللذاذة والسعادة.. وإنما تجرعت فيها الأحزان والأوهام.. من جراء فقد حبيب موهوم..!!
تقول هذه الأخت: (وجدت أن حياتي لم يعد لها معنى أو هدف.. سنوات مضت وضاعت فهل سأعيش هكذا بلا هدف؟ فكرت، ثم فكرت، فلم أجد حلاً أفضل من النسيان.. حدثت نفسي أنني لو أنصت إلى شريط في وصف الجنة والنار أهداه إلي أحد الأقارب لربما أتعظ وأنسى، وبالفعل.. كان لي بالمرصاد، واقتلعت من صدري جذور الوهم.. لقد مزق قلبي وأفرغه من القيح والصديق.. وكل ما علق به من آثار المعاصي.. واستمعت إلى أشرطة أخرى كثيرة.. كانت بفضل الله سببًا لتوبتي إلى خالقي جل وعلا.. وأقلعت عن سماع الأغاني، وأن أنظر إلى ما حرم الله في التلفاز وغيره.. وبدلت حجابي المزيف بآخر حقيقي.. وبعون الله تخلصت من أمور كثيرة، وابتعدت عن قرينات السوء، فاستعدت حيائي الذي ضيعته سنوات عدة...) (العائدون إلى الله، المجموعة السادسة لمحمد المسند بتصرف).
أختي المسلمة... وتأملي في قولها: (فاستعدت حيائي الذي ضيعته سنوات عدة !!) فهي لم تكن تدرك أن الحياء نعمة كبيرة من الله جل وعلا.. وأن ضياعها ضياع للإنسان نفسه.. فلما فقدتها وتجرعت ويلات فقدانها أدركت قيمتها في الحياة...
إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
أخية... وإذا تأملنا حول الأسباب نفسها التي كانت سببًا في سقوط حياء تلك الفتاة..
فالجهل بمفهوم الالتزام.. ومرافقة الساقطات.. والنظر المحرم إلى الرجال.. من أخطر الأسباب التي تسقط الفتيات في الهلاك؛ حيث إن الجهل بالالتزام يبعث على الاستخفاف بالمحرمات.. ويسهل إغراءات الشيطان في مهاوي الرذيلة والعصيان.. ورفقة السوء تزين الشهوات وتشجع على الغوايات.. والنظر المسموم يوقع في شراك العشق الحرام.. ويجلب الهم والغم والأحزان.. وكل هذه الثلاثة تحث على نزع فضيلة الحياء.. وتشجع الفتاة المسلمة.. على سلوك طريق خطير على عرضها وشرفها.. فلربما أوقعتها في شراك الزنى، فلا تفيق إلى على العار والدمار !! وربما تلطف بها الأقدار.. فتفيق من سباتها وتسترد حياءها، ومن هنا كان دفع هذه الأسباب من أعظم الجهاد وأفرضه على الأخت المسلمة حتى تصون شرفها وعفافها.. فكيف تدفع هذه الشرور؟
1- تفهم الالتزام: وإنما قُلت: «تفهم الالتزام» ولم أقل: «فهم الالتزام»؛ لأن التفهم يدل على المداومة على الفهم ومعاودته حتى يستقر في الذهن والقلب بالفعال والمقال.
فالالتزام بالدين هو التزام بشرع الله وأحكامه.. في الأحوال والأقوال والأفعال ! والجهل بتلك الأحكام يوقع المرأة المسلمة في التخبط والضياع ويجعلها عرضة للشيطان يسهل عليه إضلالها ومن هنا كان واجبًا على الأخت المسلمة أن تتعلم ما تصح به عقيدتها، وعبادتها؛ فتتعلم ما يجب عليها من أصول الإيمان وأحكام الصلاة والصيام وما يتعلق بذلك من أحكام الطهارة، وكذلك إذا كانت ممن يستطيع الحج وأداء الزكاة وجب عليها تعلم ذلك، فإذا حفظت المرأة المسلمة ربها في هذه الأركان حفظها سبحانه من أسباب الغواية والشرور، وفهمها سبل الشر والمحرمات ووقاها الضياع والمهلكات.
أخية.. وتذكري أن الالتزام لا يقتصر على أداء الأركان الخمسة الواجبة وإنما يشمل العمل بالواجبات كلها، واجتناب المنهيات جميعها.. والمسارعة إلى الخيرات.. ولذا فإنه يجب عليك أن تسلكي طريق العلم والتعلم.. فإنه ينور القلب ويشرح الصدر ويزيل ظلمات الجهل، ويمكنك من فهم دينك وتجديد يقينك، ويكون لك سلاحًا واقيًا من الفتن والهوى.
2- الرفقة الصالحة: وخير معين على الالتزام رفقة الخيرات الصالحات اللواتي إن رأين خيرًا أعنَّ عليه، وإن رأين شرًا لم يركنَّ إليه.. فمصاحبتهن من أعظم أسباب الهداية والتوفيق؛ فهن عملة صعبة يعز وجودها في هذه الأزمان..
أختي المسلمة... فإذا رمت الرشاد.. والهداية والسداد.. فرافقي من تلمسين فيهن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود والترمذي]
أنت في الناس تقاس بمن اخترت خليلاً
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكرًا جميلاً
واحذري الركون إلى الساقطات.. ممن زيَّنَّ حجابهن.. وفتحن جلبابهن.. وفقدن صوابهن.. وتفاخرن بالزينة والمعاكسات.. ومشاهدة الأفلام والفضائيات.. فأغضبن رب الأرض والسماوات..
قال أحد السلف: رفقاء السوء.. يخونون من رافقهم.. ويفسدون من صادقهم.. قربهم أعدى من الجرب.. والبعد عنهم من استكمال الدين.. والمرء يعرف بقرينه..
- غض النظر: وأما غض النظر فإنه يقي مصارع السوء، ويحفظ القلب من الأمراض والأوهام والعلل؛ لذلك فقد قرن الله - جل وعلا - حفظ الفرج بغض النظر فقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31].
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القوس والوتر
مختارات