" بداية الدعوة وتجمع الأحبة "
" بداية الدعوة وتجمع الأحبة "
من هنا بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته، من جبال مكة وسهولها انطلق الرسول القائد يدعو الناس، ويلتقي بهم سرًّا وعلانية، بدأ دعوته في مكة في خضم جاهلية جهلاء تعج بها مكة والعرب من حولها، إذ إن في مكة وحدها وحول الكعبة ثلاثمائة وستين صنمًا، اعتادوها وألفوها، وأصبحت هذه الأصنام جزءًا من حياتهم يقاتلون دونها بكل غال ونفيس، وهى إرث ورثه الأبناء عن الآباء ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾.
ومع ذلك بدأ صلى الله عليه وسلم وحده فريدًا طريدًا، يجرى وراء الناس في أيام المواسم، ويعرض نفسه على القبائل، ونشر هذا الدين، ويعرض حمايته وحماية هذا الدين، والموت في سبيله، والثمن الجنة، فيها نلتقي إن شاء الله.
وكان أبو لهب يسير خلفه، ويقول: لا تصدقوا هذا، فقد صبأ، ومع ذلك يمضى في هذا الطريق، يلتقي بالناس عامة وبالأحبة خاصة الذين أسلموا، لا يكل ولا يمل، ويتعرض هو وصحبه الأبرار لأصناف من العذاب والحصار الاقتصادي تارة، والإغراء تارة أخرى، والتعذيب والقتل لمن أسلم، وكان صلى الله عليه وسلم صابرًا محتسبًا. وكانت الجنة هي الثمن، واللقاء والراحة و الطمأنينة، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومع هذه المعارضة الشديدة والإيذاء المتواصل بدأ دعوته بهدوء وتأن، لم تثره الاستفزازات، ولم تؤثر فيه المغريات، ولم تثنه العراقيل، ولم توقفه الأشواك التي كانت توضع في طريقه، فكان يأتيه أحد الصحابة، وهو مستند على جدار الكعبة ويقول: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ ألا ترى ما نحن فيه من عذاب وإيذاء؟!
فيرد عليه رد الواثق بربه قائلا: «إنه فيمن كان من قبلكم يؤتى بالرجل، فيقسم بالمنشار قسمين، وينشر بمناشير الحديد ما يرده ذلك عن دينه، ولكنكم تستعجلون، والله ليسيرن الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
وكان صلى الله عليه وسلم يلتقي بآل ياسر، ويمر بهم وهم يعذبون، فلا يزيد أن يقول: «صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة» فيها نلتقي، فيهون عليهم المصاب بلذة الجنة، حيث تذهب عنهم آلام التعذيب.
من هذا المنطلق نبدأ ونعمل، ونتحمل المصائب والأهوال والمتاعب، من أجل لقاء الأحبة حقا، الذين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل هذا الدين، وكانت اهتماماتهم نشر هذا الدين. إذ إن من طبيعة هذا الدين ومن السنن التي هي من نواميس الحياة والكون التي لا تتغير ولا تتبدل أن هذا الدين ينتشر في الأرض على أيدي رجال عاهدوا الله على نشره، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.
هكذا هذا الدين يقوم ويعلو على أيدي رجال، وإن تقاعس هؤلاء الرجال وتركوا الحبل على الغارب وركنوا إلى الدنيا، فإن الله قادر على إهلاكهم والإتيان بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، فكن أخي المسلم من هؤلاء الرجال ولا تكن من الصنف الأول الذين تقاعسوا وقعدوا، فتهلك في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، فتكون بدايتك ونهايتك شرًّا والعياذ بالله فتخسر الدنيا والآخرة على حد سواء.
مختارات