" معنى حديث "
" معنى حديث "
«إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة...» الحديث
يشغل بال كثير من المسلمين حديث: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» (البخاري ومسلم) هل هو على ظاهره، وما معنى «حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع» ؟.
الجواب: معنى الحديث أن الإنسان قد يعمل بأعمال الصالحين وبطاعة الله سبحانه وتعالى ثم في آخر عمره يعمل بعمل أهل النار فيختم له بهذا العمل ويدركه الأجل وهو على هذا فيدخل النار؛ لأن ختام عمله عمل غير مشروع غير مُرْضٍ لله سبحانه وتعالى.
والآجر الذي يعمل ويرتكب من الأخطاء ومن الجرائم والمعاصي ما يرتكب ثم يوفقه الله جل وعلا للتوبة فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وليس الأمر هكذا، وإنما له أسباب، فلماذا يعمل بعمل أهل النار ثم يعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، ويعمل بعمل أهل الجنة ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها؟ ما سبب ذلك؟ وهل معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يُخيب المؤمنين الذين يعملون الصالحات؟ فنقول:
نعلم أن الله سبحانه وتعالى كريم وأنه رؤوف رحيم وأن قوله حق ووعده صدق وأنه لا يخيب عبدًا من عباده يعمل الصالحات قال تعالى: " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا " (طه:112)، ولكن هذا الحديث يبين لنا ما جاء في قول الله جل وعلا: " أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ " (البقرة: 266) إن كل واحد يقول: لا أَوَدُّ هذا، إن صاحب هذه الجنة لم يأخذ بالأسباب ولم يأخذ بالاحتياطات حتى إنه ضيع وقته وضيع نفسه ولم يجعل له مزرعة ولم يجعل لأولاده ما يعيشون فيه فيما بعد، فهذه المزرعة التي أعدها والتي ينتويها لأولاده أصابها في آخر حياته إعصار فيه نار فاحترقت، فهل يود الإنسان الذي يعمل الصالحات أن تحترق أعماله؟! كلُّ واحد لا يود هذا.
إذًا ما معنى: «يعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها أو يعمل بعمل أهل النار فيدخلها» ؟ أجاب عنه العلماء بعدة أجوبة أذكر منها هنا جوابين:
الجواب الأول: أنه يعمل بعمل أهل الجنة لكن عنده ذنوب متساهل فيها مقيم عليها، فهو يعمل بعمل أهل الجنة فيعاقب لماذا يقيم على هذه المعصية لله، فيعاقب جزاءً وفاقًا، فيُقبل على المعاصي وعلى الظلم وعلى الأخطاء حتى تكون كل أعماله سيئة.
لأنه لم ينته عما كان عليه، ولعلنا نضرب لذلك مثالاً؛ مثلاً عقوق الوالدين، بعض الناس تجده يصوم ويصلي ويعمل ويعمل، لكن لا يبالي بعقوق والديه، فهذا الذي لا يبالي بعقوق والديه ربما أن صلاته وصيامه تحبط في آخر عمره جزاء ما أصر عليه.
وكذلك صلاة الجماعة مثلا قد لا يُبالي بها ولا يهتم بها ومهما يسمع من المواعظ لا تؤثر فيه ولا ينتفع بها، فيختم له بسوء الخاتمة عياذاً بالله بسبب ذلك.
أما الشخص الآخر الذي يعمل بعمل أهل النار، فتجده مثلاً عنده أخطاء وعنده ذنوب، لكن لديه عمل صالح يتعاهده ويلازمه، نفرض أنه بار بوالديه واصل لرحمه أو عمل عملاً صالحًا في آخر عمره فكان سببًا لمغفرة الله له. كقصة المرأة أو الرجل الذي رأى كلبًا يعض الثرى من العطش، وهذا الرجل نزل في البئر وشرب ثم خرج فوجد هذا الكلب يعض الثرى. فقال: والله لقد كان بهذا الكلب مثل ما كان بي فنزل وملأ موقه ماءً وسقى الكلب، فشكر الله له هذا العمل، ودخل الجنة بسبب ذلك (البخاري ومسلم).
والمرأة التي حبست الهرة، لا هي تركتها تسعى وتأكل من خشاش الأرض ولا هي أطعمتها، فماتت الهرة فدخلت المرأة النار بسبب ذلك (البخاري ومسلم).
فالإنسان قد يستهين بذنب من الذنوب ولا يبالي به وهو يعلم أنه لا يجوز، وهذا شرط أنه يستهين بالذنب وهو يعلم أنه لا يجوز، فإنه ربما يُعاقب؛ لأنه استهان بهذا الذنب.
الجواب الثان ي: وهذا جواب ابن قيم الجوزية، يقول: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، أمام الناس يظهر أنه يعمل بعمل أهل الجنة، وفي الباطن يعمل عكس ذلك.
والآخر الذي يعمل بعمل أهل النار فيما يظهر للناس ولكن يعمل بعمل أهل الجنة فيما لا يُعلم.
فهذا يختم له بكذا وذاك يختم له بكذا والله أعلم.
مختارات