" النهي عن أكل مال اليتيم "
" النهي عن أكل مال اليتيم "
تعريف اليتيم لغة وشرعًا:
اليتيم في اللغة: قال الجوهري: اليتيم جمعه أيتام ويتامى، وقد يتم الصبي بالكسر يتم يتيمًا بضم الياء وفتحها مع سكون التاء فيهما، واليتيم في الناس من قِبَل الأب، وفي البهائم من قِبَل الأم، وكل شيء مفرد يعز نظيره فهو يتيم، يقال: درة يتيمة (كما في مختار الصحاح).
وقال ابن منظور: اليتيم الانفراد واليتيم الفرد، واليتم: فقد الأب، وقد يتم بالضم وبالكسر وبالتسكين فيهما أي بتسكين التاء فيهما (لسان العرب) واليتيم في الشرع: قال الجوهري: اليتيم في الناس من قِبَل الأب وفي البهائم من قِبَل الأم (لسان العرب).
وقال ابن منظور: اليتيم في الناس فقد الصبي أباه قبل البلوغ، وفي الدواب فقد الأم (لسان العرب).
رعاية اليتامى والمحافظة على أموالهم:
قال تعالى: في وصية للناس في آية الأنعام: " وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " (الأنعام: 152).
قال الطبري رحمه الله: «يعني جل ثناؤه بقوله: " وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره» (كما في تفسيره).
قال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك وعامر: حتى يبلغ أشده: يعني الحلم (كما في تفسيره).
وقال ابن الجوزي رحمه الله: قوله: " وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ " لأن الطمع فيه لقلة مراعيه وضعف مالكه أقوى، وفي قوله: " إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " أربعة أقوال:
أحدها: أنه أكل الوصي المصلح للمال بالمعروف وفق حاجته، قاله ابن عباس وابن زيد.
ثانيًا: التجارة فيه، قاله سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك والسدي.
الثالث: حفظه له إلى وقت تسليمه إليه، قاله ابن السائب.
الرابع: أنه حفظه عليه وتثميره له، قاله الزجاج، إلى قوله: والأشد استحكام قوة الشباب والسن، قال ابن قتيبة: ومعنى الآية: حتى يتناهى في النبات إلى حج الرجال (زاد المسير) وقال القرطبي رحمه الله: " وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " أي: بما فيه صلاحه وتثميره، وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه، وهذا أحسن الأقوال في هذا؛ فإنه جامع (كما في تفسيره).
قلت: وهناك أقوال أخرى أعرضت عن ذكرها لبعدها في نظري عن مفهوم الآية.. والله أعلم.
ومما يدل على رعاية اليتيم وحفظ ماله قول الحق تبارك وتعالى: " وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (3) " (النساء: 2).
قال ابن كثير: يأمر تعالى بدفع أموال اليتامي إليهم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالكم، ولهذا قال: " وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ " وقوله: " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ".
قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل والسدي وسفيان بن حسين: أبى إلا أن تخلطوها فتأكلوها جميعًا، وقوله: " إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا "، قال ابن عباس: أي إثمًا عظيمًا (كما في تفسيره ).
قلت: كافل اليتيم والقائم على رعايته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار مالك بالسبابة والإبهام (أخرجه مسلم والبخاري ).
قلت: لا يرعى مال اليتيم إلا من كان وقافًا عند حدود الله، مراقبًا له لم يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة.
عقوبة آكل مال اليتيم ظلمًا:
توعَّد الله – عز وجل – الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا بأنهم يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعير جهنم لِمَا في ذلك من الظلم والقهر، فقال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " (النساء، الآية: 10).
قال القرطبي رحمه الله تعالى: «قال الجمهور: إن المراد للأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم، وسمى المأكول نارًا بما يؤول إليه، وقيل: نارًا أي حرامًا؛ لأن الحرام يوجب النار فسمَّاه باسمه " وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " الصلي: التسخين بقرب النار وبمباشرتها، والسعير: الجمر المشتعل (ا في تفسيره 5/58-59 وقد اختصرت كلامه وضربت صفحًا عن سبب النزول لأنني لم أجد شيئًا عن الصحابة وكذلك الوجوه الإعرابية والقراءات تجبنبًا للإطالة)، وعدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات كما في حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله، ما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»(أخرجه البخاري ومسلم ) قال النووي رحمه الله: أما الموبقات فهي المهلكات، يقال: وبق الرجل بفتح الباء: يبق بكسرها، ووبق - بضم الواو وكسر الباء -: يوبق: إذا هلك، وأوبق غيره أي أهلكه (كما في شرح مسلم).
قال الذهبي رحمه الله: قال العلماء: فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرًا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه وتنميته ماله فلا بأس عليه، وما زاد على المعروف فسُحت حرام، يقول تعالى: " وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ " (النساء، الآية: 6) (كما في كتاب الكبائر).
مختارات