" الحسيب "
" الحسيب "
الحسيب بمعنى الكافي عبدَه المتوكِّل عليه؛ " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " [الطلاق: 3] أي كافيه أمورَ دينه ودنياه.
والحسيب هو المحاسب والمجازي لعباده بالخير والشر والحفيظ عليهم " وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا " [النساء: 6].
أثر الإيمان بالاسم:
- اللهُ حسيبُ كلِّ أحد وكافيه؛ فلا يُظن أنَّ الطفلَ الذي يحتاج إلى أمِّه ترضعه وتتعهَّده ليس الله حسيبَه وكافيه؛ بل كَفاه إذ خلق أمَّه وخلق الشَّفقةَ في قلبها عليه، وخلق اللبنَ في ثديها وهداه لالتقامه.
- أثنى الله على أهل التوحيد والتَّوَكُّل من عباده؛ حيث أفردوه بالحسب فكفاهم؛ " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران: 173] عن ابن عباس: " (حَسْبُنا الله ونعم الوكيلُ) قالها إبراهيمُ - عليه السلام - حين ألقي في النَّار، وقالهَا مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا " فَاخْشَوْهُمْ ".
- ولام الله تعالى المنافقين ممَّن إذا أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم من الصَّدَقة رضوا، وإن منعهم سخطوا؛ " وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ " [التوبة: 58-59]؛ فَتَضَمَّنَت هذه الآية الكريمة أدبًا عظيمًا وسرًا شريفًا؛ وهو الرِّضا بما آتاه الله ورسوله، والتَّوَكُّلُ على الله وحده؛ وهو قولُه: " قَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ".
- أعمالُ الإنسان كلُّها محسوبةٌ محصاةٌ لا يضيع منها شيء ولا يُزاد عليها؛ " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " [الأنبياء: 47]، فليحاسب نفسه قبل أن يحاسب.
- حساب الخلق لا مَشَقَّةَ فيه على الخالق الحسيب؛ " ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ " [الأنعام: 62].
- على العبد أن يحتسب اللهَ في كلِّ شيء حتى معرفته بالناس؛ فقد أَثْنى رجلٌ على رجل عند النبيِّ فقال صلى الله عليه وسلم: «ويلكَ قَطعت عُنقَ صَاحبكَ قَطعتَ عُنَقَ صاحبك». مرارًا، ثم قال: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادحًا أخاهُ لا مَحَالَةَ فَليقُلْ: أحسبُ فُلانًا، وَاللهُ حَسيبهُ، ولا أُزَكِّي على الله أَحَدًا؛ أحسبهُ كَذا وكذا إن كان يَعْلمُ ذَلك مِنْهُ»(البخاري ومسلم ).
الاحتساب: هو طَلَبُ الأَجْر من الله تعالى خالصًا.
أمثلة على جزاء الاحتساب:
1- نيل المبتغي لك ما احتسبت:
كان رجلٌ من الأنصار لا يترك الصَّلاةَ مع الرَّسول رغمَ أن بيتَه أقصى بيت في المدينة، فأشار عليه أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه: «لو أنك اشتريتَ حمارًا يقيكَ من الرَّمْضاء ويقيك من هوام الأرض» فقال: «أمَا والله ما أحبُّ أن بيتي مُطَنَّبٌ ببيت مُحمَّد صلى الله عليه وسلم » فَظَنَّ أُبَيُّ بن كعب أن قولَه بشعًا في حقِّ الرَّسول، فأخبر به الرَّسول صلى الله عليه وسلم فَدعَاهُ فقال لهُ مثل ذلك وذكر له: «أنه يَرْجو في أَثره الأجر» فقال له صلى الله عليه وسلم: «إن لك ما احتسبتَ»(مسلم) مُطَنَّبٌ: مشدودٌ بالأَطْناب؛ (وهي الحبال) لبيت رسول الله؛ والمعنى: بل أحبُّ أن يكون بعيدًا عنه لتكثير ثوابي وخطاي إليه.
2- محوُ الخطايا بشهادة مشروطة بالاحتساب:
روي أنَّ رجلًا قال: «يا رسولَ الله، أرأيتَ إن قتلتُ في سبيل الله تُكفِّر عنِّي خطاياي» فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمْ؛ إن قتلتَ في سبيل الله وأنت صابرٌ مُحتسبٌ مُقبلٌ غير مدبر» (مسلم ).
3- الجنة، " ثمَّ احتسبه إلا الجنة ": قال صلى الله عليه وسلم: «يقولُ الله تعالى: مَا لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قَبَضْتُ صَفيَّه من أَهْل الدُّنْيا ثم احْتَسَبَه إلَّا الجَنَّة»(البخاري).
قَبَضْتُ صَفيَّه: وهو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكُلِّ مَنْ يُحبُّه الإنسان؛ والمراد بالقبض قبضُ روحه؛ وهو الموت.
ثم احتسبه: صَبَرَ على فَقْده راجيًا الأجرَ من الله على ذلك.
مختارات