" آداب تلاوة القرآن "
" آداب تلاوة القرآن "
أخي المسلم:
كتاب الله تعالى هو أكرم كتاب وأطهره فينبغي لمن أراد تلاوته، أن يستحضر عظمته، ولا يتهاون في ذلك فيجعل قراءته لكتاب الله كقراءته لأيِّ كتابٍ آخر؛ فإنَّ من الجفاء أن تقبل على تلاوة كتاب الله غير مستحضر لعظمته ولا موقِّر له !
فإنَّ من الأسباب المُعينة للعمل بكتاب الله أن تقرأه قراءة مُعظِّمٍ له، متأدبًا عند تلاوته.
فإذا تلوت كتاب الله تعالى فلتتهيَّأ لذلك بما هو أهله من الآداب وأنواع التعظيم.
وسأسوق إليك فيما يلي بعض الآداب التي ينبغي أن تراعيها وأنت تقرأ كتاب الله تعالى، وسألخِّص هذه الآداب من كلام القرطبي في مقدِّمة تفسيره، والذي نقله عن الحكيم الترمذي، ومن كلام النووي في كتابه «التبيان في آداب حملة القرآن»..
فمن آدابه:
- ألاَّ يقرأه إلاَّ على طهارة.
- السواك: قال يزيد بن أبي مالك رحمه الله: إنَّ أفواهكم طرق من طرق القرآن؛ فطهِّروها ونظِّفوها ما استطعتم.
- استقبال القبلة: كان أبو العالية رحمه الله إذا قرأ اعتمَّ ولبس وارتدى واستقبل القبلة.
وإذا تثاءب أمسك عن القراءة، لأنه إذا قرأ فهو مناجٍ لربه تعالى، والتثاؤب من الشيطان.
قال مجاهد رحمه الله: إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القرآن تعظيمًا حتى يذهب تثاؤبك.
- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: وذلك عند الابتداء القراءة، وقول «بسم الله الرحمن الرحيم» إن كان ابتداء القراءة من أول السورة.
وإذا ابتدأ بالقراءة لا يقطعها بكلام الآدميين.
- قراءته بتؤدة وترتيل: أن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به.
أن يقف على آية الوعد فيرغب إلى الله تعالى، ويسأله من فضله، وأن يقف على آية الوعيد فيستجير بالله منه.
وإذا قرأه فلا يلتقط الآيات من كلِّ سورة، بل يقرأ السورة كلها.
- لا يترك المصحف منشورًا: ولا يضع فوقه شيئًا من الكتب حتى يكون أبدًا عاليًا لسائر الكتب، علمًا كان أو غيره.
أن يضعه على حجره إذا قرأه أو على شيء بين يديه ولا يضعه على الأرض.
ومن الآداب التي ذكرها الإمام النووي في كتابه «التبيان في آداب حمله القرآن» قال:
ويُستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار، ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد، لكونه جامعًا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلاً لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف.
الخشوع: قال النووي: فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تُحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب. قال الله عز وجل " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ " [النساء: 82]، وقال تعالى: " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ " [ص: 29].
والأحاديث فيه كثيرة، وأقاويل السلف فيه مشهورة.
استحباب ترديد الآية للتدبر: قال النووي: وينبغي أن يرتل قراءته، وقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على استحباب الترتيل قال الله تعالى: " وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا " [المزمل: 4].
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسَّرة حرفًا حرفًا (رواه أبو داود والنسائي والترمذي).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أقرأ القرآن كلَّه».
وقال النووي: ومما يُعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين، فمن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلاَّ كلامًا يُضطر إليه.
وليتمثل قوله تعالى: " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [الأعراف: 204].
وليقتد بما رواه ابن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه إذا قرأ القرآن لا يتكلَّم حتى يفرغ منه.
ومن ذلك العبث باليد وغيرها؛ فإنه يناجي ربَّه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.
وقال النووي: وينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة، أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض، وأن يقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيَّد بالأعشار والأجزاء؛ فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط كالجزء الذي في قوله تعالى: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي " [يوسف: 53] وفي قوله تعالى: " وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ " [الأعراف: 82].
فكلُّ هذا وشبيهه لا ينبغي أن يُبتدأ به، ولا يوقف عليه فإنه متعلِّق بما قبله، ولهذا المعنى قالت العلماء: قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة؛ فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال.
أخي المسلم:
كانت تلك بعض الآداب التي تتعلَّق بتلاوة كتاب الله تعالى، وقد اقتصرنا على بعضها ولخَّصنا أهمها، فعلى المسلم أن يحرص على التأدُّب إذا قرأ كتاب الله تعالى، وليستحضر دائمًا عظمة من يقرأ كلامه، لعلَّ الله تعالى أن ينفعه بتدبُّره والإقبال عليه.
مختارات