" المداهنة والمداراة "
" المداهنة والمداراة "
المداهنة: يقول العلماء في تعريفها: (المداهنة أن تسكت عما يجب عليك النطق به، أو أن تترك ما يجب عليك فعله لغرض دنيوي).
أما المداراة: «فهي أن تدرأ الشر عن الدعوة إلى الله، أو تدرأها عن نفسك في مجال الدعوة إلى الله» (الدرر السنية ).
فالأولى في أمر خاص وهذه في أمر عام.
* قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما خلاصته:
الفرق بين المداراة والمداهنة: إن المداراة: هي خفض الجناح للناس والرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإِغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألف، وهي من أخلاق المؤمنين ومندوب إليها.
والمداهنة: مأخوذة من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه: كمعاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، وهي محرمة منهي عنها.
* وقال ابن القيم في كتابه الروح ما ملخصه: والفرق بين المداراة والمداهنة:
أن المداراة: التلطف بالإنسان لتستخرج منه الحق، أو ترده عن الباطل.
والمداهنة: التلطف به لتقره على باطله، وتتركه على هواه.
فالمداراة لأهل الإيمان، والمداهنة لأهل النفاق.
مثال ذلك: «رجل به قرحة فجاءه الطبيب الرفيق فتعرف على حالها، ثم أخذ في تليينها حتى إذا نضجت بطها برفق وسهولة، فأخرج ما فيها ثم وضع عليها من الدواء ما يمنع الفساد ويقطع المادة، ثم تابع عليها المراهم المنبتة للحم، ثم ذر عليها ما ينشف الرطوبة، ثم شد عليها الرباط، ولم يزل حتى صلحت» فهذا المداري.
وأما المداهن فقال لصاحبها: «لا بأس عليك منها، وهذه لا شيء ! فاسترها عن العيون بخرقة ثم الْهُ عنها، وهذا لما رأى من جزعه من بطها، فلم تزل مادتها تقوى وتستحكم، حتى زادت موادها وعظم فسادها» انتهى.
إذا كان الوضع يقتضي ألا تنكر باليد وتركت الإنكار باليد مداراة خشية أن تتضرر أو يتضرر من حولك، هذا لا يكون فاعله مرتكبًا منكرًا.
ومما يدل على هذا، أن الرسول عليه الصلاة والسلام، جلس في مكة ثلاثة عشر عامًا بعد الرسالة يأتي للبيت ويطوف به، والأصنام معلقة ثلاثمائة وستون صنمًا، ويصلي وهي أمامه، وكان ينكر باللسان، لكن لما لم يكن له قوة تحميه ولما كان استعمال اليد في ذلك الوقت يأتي بمردود أشد وأكثر بلاءً للإسلام والمسلمين ما استعمل القوة أبدًا.
ولكنه لما عاد فاتحًا لها هل جاء بما يسميه بعض الناس في عصرنا سنة التدرج في إزالة المنكر، أو سنة التصحيح أو سنة الوضع، أو ما إلى ذلك بل أقبل عليها بالقضيب يضربها وهو يقرأ قول الله: " وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " [الإسراء: 81].
فالمداراة مرتبطة بالأمر العام، بأمر الدعوة، بأمر إنكار المنكر، بمصلحة الدعوة نفسها، ومصلحة إنكار المنكر نفسه، فإذا اقتضى الحال أن تسكت عن أمر ما لأنك لو نطقت بإنكاره لجاءك ضرر أو انتقل الضرر إلى دعوتك أو من حولك، فهنا تسكت مداراة ودرءًا للفتنة، لا مداهنة وتملقًا للباطل وأهله.
مختارات