" الأساليب التي تستعمل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
" الأساليب التي تستعمل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
الأساليب التي ينبغي أن تستعمل في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أو في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كثيرة وواسعة، منها: ما سبق ذكره، مثل البداية بالأهم. ومثل توخي النفع بالأمر والنهي، وتغير الحال، وما إلى ذلك.
* إلا أنه ينبغي للمسلم أن يسبر الوقت الذي يعيش فيه، والحالة التي هو فيها، ومن سيواجه بالأمر بالمعروف، ويسبر حاله وتحمله فيما لو ضرب أن يعرف الوضع الذي يحبط به، ويعالج المنكر حسب الاستطاعة، وحسب الإمكان، فإن كان يحتاج لقوة فليستعمل القوة، وإن كان محتاجًا للتعريض استعمل التعريض.
وهذا موضوع واسع، لكن المؤمن الذي يتحرى في هذه الأشياء ويجتهد في القيام بالحق يهديه الله إليه، قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " [العنكبوت: 69].
وكلما كان الإنسان هاديًا، وكان مقربًا إلى قلوب الناس، وكان ملتزمًا داعيًا للخير، كان أدعى لقبول قوله وسماعه.
* ومن الأساليب اللين والتودد، يقول تعالى: " وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " [آل عمران: 159].
يبين لنا الله سبحانه وتعالى، أن اللين والتودد في الدعوة، وفي ألأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أمر مطلوب ما لم يكن فيه إهانة للعلم، وإهانة للأمر بالمعروف، وللنهي عن المنكر.
اللين مطلوب وقد مر معنا ما يدل على ذلك، وخير قدوة لنا في هذا المجال الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام، كثيرًا ما يُعالج المنكر بأسلوب يتلاءم مع الوضع الذي فيه المنكر.
* ففي صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: «بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (أخرجه مسلم).
* وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: «قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه، وهريقوا على ما بوله سجلاً من ماء – أو ذنوبًا من ماء – فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين» (أخرجه البخاري)، وهذا لفظ البخاري.
وعند ابن ماجه، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: «دخل أعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد، ولا تغفر لأحد معنا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «لقد احتظرت واسعًا» (أي ضيقت واسعًا، والمعنى ضيقت رحمة الله ومغفرته علينا فقط، وهي واسعة تسع كل عباده – سبحانه وتعالى -) ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول، فقال الأعرابي بعد أن فقه، فقام إلي بأبي وأمي، فلم يؤنب ولم يسب، فقال: «إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله والصلاة» ثم أمر بسجل من ماء، فأفرغ على بوله» (أخرجه ابن ماجه وأخرج مسلم بعض ألفاظه من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه ).
فالآمر والناهي ينبغي أن يستعمل الأساليب التي فيها لين، ورفق، ورحمة لكي يحبه الناس، ويستمعوا لقوله، ولكي تنعطف قلوبهم إليه، لأنك تسعى لإصلاحهم ولم شملهم، وتعليمهم، وهدايتهم لا للشماتة بهم وتحقيرهم، وفضحهم والسخرية منهم، وهذا ديدن الطبيب، فإنه لا ينتهر المريض بل يلين له القول حتى يقبل منه ويستمع إليه.
* ومن الأساليب أن الأمر السري لا يجوز أن يعالج علنًا بل يعالج سرًا، لئلا يفشو المنكر، ولئلا يفتضح فاعله، وإذا كان ظاهرًا فإنه يعالج علنًا ولا حرج في ذلك، لأن صاحب المنكر هو الذي فضح نفسه، وأعلن البلاء على نفسه.
مختارات