" المَعْلم السادس : منحهم الثقة بالنفس "
" المَعْلم السادس: منحهم الثقة بالنفس "
فإذا شكونا ضعف ثقة الأطفال والناشئة بأنفسهم، أو عقدنا مقارنة بين ثقة أطفال الغرب بأنفسهم وقدرتهم على التعبير عما يشعرون به وبين فقدان كثير من أطفالنا لهذه الميزة المهمة، فعلينا أن نذهب إلى مدرسة التربية النبوية إذ تعالج هذا المرض عمليا.
إن ثقة طفلي وطفلك في نفسه تنبع من احترامه لذاته وشعوره بأهميتها، ولكن كيف سيشعر بذلك ونحن في كثير من الأحيان لا نشعره بالأهمية والاحترام.
هل نحن نسمح لأطفالنا بالتعبير عن ذواتهم ونتيح لهم فرصة الاختيار ونستأذنهم في الأمور التي تخصهم؟ أم أن القمع والاحتقار ومصادره الخيار وعدم الاعتبار لإذنهم –في شؤونهم الخاصة- هو السائد عند أكثرنا عبر ما أسماء بعض الباحثين (ثقافة التسكيت).
لقد قُدِّم للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من لبن فشرب منه وكان عن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطيه من على يساري، فقال الغلام: لا والله أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله صلى الله عليه وسلم في يمينه» [متفق عليه].
في هذه القصة أربع إشارات تربوية في تنمية احترام الأطفال لذواتهم وإشعارهم بالأهمية:
أولا: كيف يصل غلام صغير إلى الجلوس إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم بل على يمينه مباشرة وهو أفضل القوم وفيهم الأشياخ؟
ثانيا: أي ثقة بالنفس تنمو حين يستأذن رسول الله غلاما صغيرا في التنازل عن حقه في الشرب بعده وهي قضية ليست كبيرة وأساسية؟
ثالثا: كيف وصلت الثقة في نفوس الأطفال في مدرسة النبوة إلى القدرة على رفض طلب صادر من النبي صلى الله عليه وسلم بثبات مع القدرة على التعليل المقبول؟
رابعا: الفعل أبلغ من القول في التربية ولذا قال الراوي (فتله في يمينه) أي ناوله القدح ليشعره باقتناعه بحجته واحترامه له.
ولم يقتصر الأمر في مدرسة النبوة على إشعار الناشئة بالأهمية والاحترام بل كانت ثقتهم بأنفسهم تنمى من خلال التجارب العملية عبر توليتهم المسؤوليات المناسبة لقدراتهم.
فها هو معاذ بن جبل يصلي بالناس وهو ناشئ صغير لأن هذا العمل مناسب لقدراته، وهذا أسامة بن زيد يقود الجيش الذي فيه كبار الصحابة وهو لم يتجاوز سبع عشرة سنة، لماذا؟ لتنمو ثقته في نفسه ويستفيد منه المجتمع بعد ذلك، وقبلهما علي بن أبي طالب ينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وهي مسؤولية جسيمة تتطلب الشجاعة والتضحية، وهكذا.
أما اليوم فحال أكثرنا مع أطفالهم اليوم عدم الثقة بهم وعدم توليتهم أصغر المسؤوليات.
مختارات