" القصة السادسة : ثمـرات يانعــة للـبر "
" القصة السادسة: ثمـرات يانعــة للـبر "
فضلُ الأب على أبنائه كبير جدًّا، وقد حث الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم على البر بالأب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجزئ ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» [أخرجه مسلم].
وبر الأب يثاب عليه المرء في الآخرة، ويجد له ثمرة يانعة في الدنيا، ففي مجتمعنا تنطق هذه القصة الجميلة ببر أحد أبنائنا، ويقطف نهايتها ثمرة بره بوالده يانعة.
ماتت والدته عندما كان في الثانية من عمره، وعاش مع والده الذي تزوج عدة مرات ولم يرزق بأولاد غيره، ولم يكن على وفاق مع أي امرأة يتزوجها، فكان الفراق نتيجة لزواجه في كل مرة، واستمر الحال هكذا لعدة سنوات، دخل بعدها المدرسة، وتفوق في دراسته، وكان ينتقل بين المرحلة والأخرى عامًا بعد عام، ووالده مسرور لتفوقه ولحسن أخلاقه.
نشأ شابًّا صالحًا، خطواته يحسبها قبل أن يخطوها، رضا الله تعالى نصب عينيه، ومن ثم رضا والده، أنهى دراسته الجامعية في سن مبكرة، وعمل في وظيفة حكومية لفترة من الزمن، ولكنه حنَّ إلى الدراسة وطلب العلم، وذهب إلى بريطانيا لدراسة الماجستير في تخصصه، بعد إلحاح شديد من والده، وكان خلال رحلته العلمية يتصل بوالده في اليوم ثلاث مرات، إلى جانب اتصاله بأقاربه يحثهم على زيادة والده وعدم الانقطاع عنه.
نال الشهادة بكل جدارة وعاد إلى الوطن، وكانت الجامعة قد رشحته لإكمال الدكتوراه، وفي هذه الفترة شعر بأن صحة والده ليست على ما يرام، فرفض العودة إلى بريطانيا لإكمال دراسته، ولكن والده أصر على ذهابه، وتحت إلحاحه ذهب مرة أخرى، بدأ في دراسته، وكان مستمرًّا في الاطمئنان على والده عن طريق الهاتف، والأقارب والجيران.
في ذلك اليوم وبعد مرور فترة طويلة على دراسته، جاءه نبأ مرض والده الشديد، وتعرضه لأزمة صحية فرجع، لم يبق على نيل شهادة الدكتوراه سوى شهور، ولكنه فكر بأنه قد تسنح له الفرصة مرة أخرى، ولكن والده قد لا تسنح له فرصة البر به غير هذه المرة، فحزم حقائبه، وسافر على الفور، عاد إلى أرض الوطن، يراعي والده، ويخدمه، ويدخل السرور إلى نفسه، وتلقى بعد فترة اتصالا من الجامعة، إشعار بضرورة إتمام دراسته وإلا فإن تعب السنوات الماضية سيذهب أدراج الرياح.
لم يخبر والده بالأمر، وفضل خدمة والده وبره به على الشهادة العالية، وبالفعل تلقى بعد أيام قرار تلك الجامعة بإنهاء أوراقه لديها، إذ إن نظامها لا يعطي فرصة للانقطاع الطويل.
شعر بالحزن لمجهوداته السابقة، ولكن فرحته ببر والده أنسته تلك المرارة، قدم أوراقه إلى الجامعة للعمل بها وقُبل على الفور، ووزع وقته بين وظيفته وبين خدمة والده، وبعد مرور سنوات انتقل والده إلى رحمة الله، وهو راض عن ابنه ويدعو له، فسمع عميد كليته عن قصته مع والده، وأنه كان على وشك الحصول على شهادة الدكتوراه، ولكن بره بوالده أعاقه عن تحقيق هدفه، فما كان منه إلا أن رشحه في بعثة إلى أمريكا، وذهب لإكمال دراسته ونال الشهادة، وعاد بعدها للعمل في نفس الجامعة التي ابتعثته.
مختارات