" القصة الأولى : قبل فوات الأوان "
" القصة الأولى: قبل فوات الأوان "
في ظل غياب الضمير، وخلال فترة ضعف الوازع الديني تخبر الزوجة زوجها بأن وجود والدته داخل المنزل بات شيئًا صعبًا، ووضعًا لا يطاق، وضيوف والدته لا يمكن تحملهم أكثر من ذلك، فيبدأ الزوج بالتفكير:
- ماذا أفعل؟
- وكيف أحافظ على رضا زوجتي؟
- إذا استمر الوضع هكذا ستغضب زوجتي.
- ولو خرجت أمي من البيت سيمزق الناس لحمي.
وفجأة تشع في ذهنه فكرة رآها ذهبية، فيها بعض الإهانة لأمه، ولكن لا بأس لديه فقد ترضي زوجته وأم أولاده، وقد نسي من فرط فرحته بهذه الفكرة قول الله تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " [الإسراء: 23،24] ينادي زوجته بسرعة، ويقول لها:
- وجدت الحل، سأخلصك وإلى الأبد من متاعب والدتي وضيوفها.
- هاه، تكلم بسرعة، ما الحل إن شاء الله؟!
- الملحق الخارجي، إنه بيت متكامل، غرفتين ودورة مياه، الغرفة الأولى لنومها، والثانية لاستقبال ضيوفها، وسنخرجها كل يوم من الصباح إلى منتصف الليل.
- فكرة لا بأس بها، على الأقل سنحافظ على نظافة البيت من عبث الأطفال، وأكون طليقة حرة بين جنبات بيتي، فأغلب ضيوف والدتك ليسوا محارم لي.
- لننفذ الفكرة، سأعد الملحق من الغد، ليعود البيت مرتبًا ونظيفًا كما عهدناه.
من صباح الغد، هبَّ الابن في إعداد الملحق لاستقبال والدته وضيوفها، فها هو يضع لها غرفة نوم متكاملة، ويضع الغرفة الأخرى لاستقبال الضيوف، وما هي إلا أيام وأصبح كل شيء جاهزًا لإخراج هذه الأم من وسط البيت إلى خارجه.
كل يوم يحملونها بمساعدة خادمتها الخاصة، ومنذ شروق الشمس إلى ما يقارب منتصف الليل، وهي راضية بما فُرض عليها، فيوم تكون مدركة لما يتم، ويوم تخونها الذاكرة، وزوجة الابن سعيدة كل السعادة بهذا الإجراء، فقد عاد للبيت هدوؤه ونظامه ونظافته، وارتاحت من نظرات بعض الضيوف الثقلاء التي تترصد جنبات البيت عند الدخول وفي الخروج، والابن أيضًا ارتاح من طنين زوجته وتذمرها، وأمه صامتة ولم تقل شيئًا، فأقنع نفسه بأنها راضية ومقتنعة بما تم بصددها.
صار هذا الإجراء وبمرور الأيام عاديًا للجميع ما عدا طفل السابعة الذي لم يهضم ما تم بحق جدته، ولم يستوعب عقله الصغير أعذار والديه، فإخراج جدته إلى الملحق طوال اليوم وعدم إعادتها إلا بعد أن تستسلم للنوم كان شيئًا غير مريح بالنسبة له، وكان تساؤله في البداية صامتًا، ولكن بعد حين تترجمت نظراته إلى عبارات وأسئلة جرت على لسانه:
- أمي، عندما أكبر ويكون لي بيت كبير وجميل سأضع لك غرفة جميلة.
- حقا.
- نعم.
- أين؟!
- في الملحق الخارجي.
- ما هذا يا بني !! تضع لي غرفة نوم جميلة في الملحق الخارجي !!
- نعم في الملحق.
- لماذا في الملحق وليست في البيت؟!
- ألم تضعي جدتي في الملحق؟
- الظروف أجبرتني أن أضعها هناك.
- وأن سأضعك في الملحق لنفس الظروف.
- ضيوف جدتك ليسوا محارم لي.
- وهكذا سيكون أيضًا.
- ماذا تقصد؟
- سيكون ضيوفك ليسوا محارم لزوجتي.
- عقدت الدهشة لسانها، وزاغت نظراتها، فكيف غاب ذلك عن ذهنها؟ كيف نست دورة الزمان؟ كيف استبعدت أن تتجرع من نفس الكأس الذي أسقته لأم زوجها؟! تردد بصرها بين جنبات بيتها الجميل، وجالت بنظراتها الحائرة تبحث عن زوجها، لم يكن موجودًا، أخذت تدور حول نفسها باضطراب واضح، مشدوهة بما سمعت، تنتظر حضور زوجها بفارغ الصبر، غيرت رأيها، وتبدلت نظرتها تجاه أم زوجها، لابد من إصلاح الوضع بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويرضي ضميرها.
حضر الزوج، واستقبلته بلهفة شديدة، وبادرته بقولها:
- أعد والدتك إلى داخل المنزل.
- ماذا حدث؟ وما الذي غير رأيك؟
- أعدها، وسأستقبل ضيوفها، وسأتحمل كل شيء، فالدنيا قصيرة ولا تستحق كل هذا الحرص.
- أخبريني فقط ماذا حدث؟
- ليس مهما ما حدث، ولكن المهم إصلاح الوضع، فمكان والدتك الحقيقي بيننا، وضيوفها مسئوليتنا.
- لك ما تريدين، افعلي ما بدا لك.
خلال يوم واحد، أعادت الزوجة المنزل كما كان، وهيأت لأم زوجها أجمل حجراته، وتعاونت مع خادمها على إعادتها إلى مكانها السابق، والأم المسكينة تجول بنظراتها مندهشة مما يحدث، لا تعرف من أين أتت، ولا أين استقرت.
بعد ستة أيام من إعادة الأم إلى مكانها داخل البيت، تستيقظ زوجة الابن وتذهب لتتفقد أحوال خالتها، وإذا بها متعبة قد تسارعت أنفاسها، وارتفعت حرارتها، فتنادي زوجها وتخبره بالأمر، فيسارع لطلب إسعاف، ويتم نقلها لأقرب مستشفى، لم تتحسن حالتها بكل ازدادت سوءًا ساعة بعد ساعة، ولم يؤذن المغرب لذلك اليوم إلا وقد أسلمت الروح، وانتقلت على رحمة المولى عز وجل.
مختارات