" الوسائل المعينة على التوبة "
الوسائل المعينة على التوبة "
التوبة فرض عين في حق كل شخص، ولا يتصور أن يستغني عنها أحد من البشر؛ لأنه إن خلا عن معصية الجوارح فلا يخلو عن الهم بالذنب بالقلب، وإن خلا فلا يخلو عن وساوس الشيطان بإيراد الخواطر الصارفة عن ذكر الله – عز وجل – حتى وإن خلا منها فلا يخلو عن غفلة وقصور بالعلم بالله وبصفاته وأفعاله.
لذا فكل إنسان مفتقر إلى التوبة والرجوع عن التعويج الذي وجد إلى سنن الطريق المستقيم؛ ولكن ما هي الوسائل المعينة للإنسان على التوبة إلى الله؟
إنها أمور كثيرة منها:
1- أن يتدارك ما فاته من العبادات، كلما أمكن ذلك.
2- أن يقبل على الله ويعمل لطلب مرضاته ويتدبر عظيم قدر مولاه، وقدر رضاه وسخطه، وما وعد به الطائعين، وتوعد به العاصين، ويداوم على ذلك؛ حتى يستنير قلبه ويعود إلى أصله الذي فطره الله عليه.
3- البدار إلى محاسبة النفس؛ ويكون بالتوبة عن كل معصية توبةً نصوحًا قبل الموت، ويتدارك ما فرط من تقصير في فرائض الله – عز وجل، ورد المظالم إلى أهلها، واستحلال كل من تعرض له بلسانه ويده وسطوته بقلبه، وتذكر ما سلف من جناية نفسه عليه، ويُوقن أن في طاعتها هلاكه يوم معاده، وذله في حياته الدنيا، وأن في عصيانها نجاته في آخرته وعزه في حياته الدنيا كما قال الحسن في شأن العصاة: «إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إلا أن ذُل المعصية لا يجاوزهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه» !
وقال بعض السلف: إني لأرى أثر المعصية في خُلُق دابتي وأهلي.
فيعزم بقلبه على تأديبها، ويواظب على توقيفها والإلحاح على معاتبها ويداوم على موعظتها وتذكيرها بربها الذي لا بد لها من المصير إليه.
4- عز نفسه عن مواطن المعصية، ومفارقة قرناء السوء ومقاطعتهم، ما داموا على حالهم، واستبدالهم بصحبة أهل الخير، الذين يُذَكِّرونه إذا نسي ويعينونه إذا ذكر ويقومونه إذا اعوج، ويقودونه إلى الحق وإلى الطريق المستقيم.
5- أن يصدق النية مع الله في الرجوع إليه بإصلاح العمل ظاهرًا وباطنًا.
6- أن يطهر قلبه من الإصرار – وهو عقد القلب على شهوة الذنب حتى ولو أقلع عنه، والتطهير يكون بإدمان معاتبة النفس وتخويفها وتذكيرها بإنذارات القرآن وبأخبار العصاة، وحكايات من جرت عليهم المصائب بسبب ذنوبهم، وخوف تعجيل العقوبة في الدنيا وحرمان الرزق الحسي والمعنوي بسبب المعاصي.
7- أن ينهي كل ذنب بنوع من التوبة، ولا يتمادى في الذنوب اتكالاً على فضل الله – تعالى – ورجاء عفوه؛ فمع أنه – سبحانه – غفورٌ رحيم لكن عذابه هو العذاب الأليم!! قال تعالى: " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [النور: 63]، وقال تعالى: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ " [الأعراف: 156]، وليرج المؤمن العون في الهداية إلى الخير من الله، قال تعالى: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " [الفاتحة: 5]، ويشعر بأن قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن – سبحانه وتعالى.
8- أن يأخذ رأس ماله فقط إن كان قد رابى، ويتخلص مما ربحه فلا يأكله ولا يؤكله مسلمًا.
9- إن كان الذنب من مظالم العباد - كأن يكون قد أخذ مالاً بغير طريق شرعي أو غصبه من صاحبه - فلا بد من رده إليه والخروج عنه ما دام قادرًا على ذلك، وإلا فيعزم على رده إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه؛ عينًا كان أو غيره، وإن لم يعثر له على صاحب معين أو له صاحب وأيس من تحصيله صرفه في مصلحة للمسلمين على نية صاحبه، وهو بذلك مأجور – إن شاء الله تعالى.
10- أن يعمل عملاً صالحًا خالصًا لله – تعالى – موافقًا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسلك طرق الهداية من تعلم العلم وتعليمه والدعوة إليه والعمل به، وأن يلزم طاعة الله – تعالى – في كل حركة وسكنة من حياته مع حسن الظن به، والوثوق برحمته، وعدم القنوط من عفوه.
قال تعالى: " فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " [الكهف: 110].
مختارات