" الشباب والزواج "
" الشباب والزواج "
ومن مشاكل الشباب أيضًا عزوفهم عن الزواج وهو مشكلة عزيمة، ويترتب عليه مضار كبيرة لا يعلمها إلا الله وهم يتعللون بتعليلات منها:
أولاً: قولهم إن الزواج المبكر يشغل عن الدراسة والاستعداد للمستقبل.
ثانيا: قولهم إن الزواج المبكر يحمل الشاب مسؤولية الإنفاق على زوجته وأولاده.
ثالثا: وهذه من أخطر الأسباب لنفور الشباب عن الزواج العراقيل التي وضعت في طريق الزواج من تكاليف باهظة، وإسراف، قد لا يستطيعه الشاب.
هذه في نظري أهم أسباب تلك المشكلة، وعلاج هذه المشكلة أيضًا بسيط وميسور، إذا ما صدقنا النية، فأولاً يبين للشباب ما في الزواج من مزايا، وحسنات، وخيرات ترجح على ما ذكروه من معوقات، أو من مشاق، وليس في هذه الدنيا شيء إلا ويقابله شيء.
أنا لا أقول إن الزواج ميسور من كل وجه أو ليس فيه مشقة أو ليس فيه مشاكل فيه مشاكل وفيه مشاق ولكن فيه مصالح ترجح على هذه المشاكل، وعلى هذه المشاق، وبالتالي تنسيها فيشرح للشباب مصالح الزواج حتى يقتنعوا ويرغبوا فيه فالزواج:
أولا: فيه إعفاف الفرج، وغض البصر يرشد إلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرْج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم» فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد الشباب وخصهم بذلك، لأن عندهم الاستعداد للزواج، وعندهم الطاقة التي إذا ما بودر بوضعها في موضعها السليم، أفادت.
فالشباب ينبغي له أن يتزوج من سن مبكرة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والاستطاعة – والحمد لله وخصوصًا وفي زماننا هذا – موجودة في الغالب، فلا عذر للشباب أو لكثير من الشباب في تركهم الزواج، ويبين صلى الله عليه وسلم ما للزواج المبكر من مزايا، فإنه أحصن للفرجْ لأن الفرج خطير جدًا.
قال عز وجل: " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ " [المعارج: 29، 30].
فإنه أحصن للفرج، أي: أن الزواج يؤمنك من خطر عظيم، هو خطر الفرج، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر إذا تزوج فإنه بذلك تقر عينه، ولا ينظر هنا وهناك، أو يطلع إلى ما حرم الله عليه؛ لأن الله أغناه بحلاله عن حرامه، وكفاه بفضله عمن سواه، فإنه أحصن للفرج وأغض للبصر.
ثانيا: الزواج يحصل به السكنُ النفسي والراحة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً " [الروم، الآية: 21] فإذا تزوج الشاب سكنت نفسه عن الاضطراب والقلق، وارتاح ضميره، " لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا " لأن الشاب بدلاَ من أن يكون مزعزع الفكر فإن تزويجه من أسباب سكون نفسه وطمأنينته وارتياحه، وبالتالي يكون سببًا في خيرات كثيرة تترتب عليه.
الزواج المبكر وفوائده:
ومن فوائد الزواج المبكر حصول الأولاد الذين تقر بهم عينه؛ يقول سبحانه وتعالى: " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ " [الفرقان، الآية: 74] فالأزواج والأولاد قرة أعين؛ إذ أن الله سبحانه وتعالى وعده أو أخبره بأن الزواج تحصل به قرة العين، وهذا مما يشجع الشباب ويقنعه بأن يُقبل على الزواج " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ".
كما أن الأولاد أيضًا أخبر الله سبحانه وتعالى أنهم هم شطر زينة الحياة الدنيا " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [الكهف، الآية: 46].
فالأولاد بهم زينة للحياة الدنيا والإنسان يطلب الزينة.
وكما أنه يطلب المال كذلك يطلب الأولاد لأنَّهم يعادلون المال في كونهم زينة الحياة الدنيا. هذا في الدنيا، ثم في الآخرة، الأولاد الصالحون يجري نفعهم على آبائهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له) فالأولاد إذًا فيهم مصالح عظيمة في الحياة وبعد الموت.
كذلك في الزواج المبكر وحصول الأولاد تكثير الأمة الإسلامية، وتكثير المجتمع الإسلامي، يقول صلى الله عليه وسلم «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» أو كما يقول صلى الله عليه وسلم.
فالزواج تترتب عليه مصالح عظيمة، منها ما ذكرنا فإذا ما شرحت للشاب هذه المزايا، وهذه المصالح، فإنها تضمحل أمامه المشكلات التي تخيلها عائقة له عن الزواج.
أما أن يُقال: الزواج المبكر يشغل عن التحصيل العلمي، وعن الدراسة، فليس هذا بمسلَّم به، بل الصحيح العكس؛ لأن ما دان أن الزواج تحصل به المزايا التي ذكرناها، ومنها: السكون والطمأنينة وراحة الضمير وقرة العين، فهذا مما يساعد الطالب على التحصيل؛ لأنه إذا ارتاح ضميره وصفا فكره من القلق، فهذا يساعده على التحصيل.
أما عدم الزواج، فإنه في الحقيقة هو الذي يحول بينه وبين ما يريد من التحصيل العلمي؛ لأن مشوش الفكر مضطرب الضمير لا يتمكن من التحصيل العلمي، لكن إذا تزوج وهدأ باله، وارتاحت نفسه، وحصل على بيت يأوي إليه، وزوجة تؤنسه وتساعده، فإن ذلك مما يساعده على التحصيل.
فالزواج المبكر إذا يسر الله وصار هذا الزواج مناسبًا، فإن هذا مما يسهل على الطالب السير في التحصيل العلمي، لا كما تصور أنه يعوقه.
كذلك قولهم إن الزواج المبكر يحمل الشاب مؤونة النفقة على الأولاد وعلى الزوجة إلى آخره. هذا أيضًا ليس بمسلم به؛ لأن الزواج تأتي معه البركة والخير؛ لأنه طاعة لله ورسوله، والطاعة كلها خير، فإذا تزوج الشاب ممتثلاً أمر النبي صلى الله عليه وسلم ومتحريًا لما وعد به من الخير، وصدقت نيته، فإن هذا الزواج يكون سبب خير له، والأرزاق بيد الله عز وجل؛ قال تعالى: " وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا " [هود، الآية: 6].
فالذي يسر لك الزواج سييسر لك الرزق لك ولأولادك؛ قال تعالى: " نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ " [الأنعام، الآية: 51].
فالزواج لا يحمل الشاب كما يتصور أنه يحمله فوق طاقته؛ لأنه يأتي معه الخير، وتأتي معه البركة، والزواج سنة الله سبحانه وتعالى في البشر لابد منه، فهو ليس شبحًا مخيفًا وإنما هو باب من أبواب الخير لمن صلحت نيته، أما ما يتعللون به من العراقيل التي وضعت في طريق الزواج، فهذه من تصرفات الناس السيئة.
أما الزواج في حد ذاته، فلا يطلب فيه هذه الأشياء، فضخامة المهر مثلاً، والحفلات الزائدة عن المطلوب، وغير ذلك من التكاليف، هذه ما أنزل الله بها من سلطان، بل المطلوب في الزواج التيسير.
فيجب أن يُيبَّن للناس أن هذه الأمور التي وضعوها في طرق الزواج، أمور يترتب عليها مفاسد لأولادهم ولبناتهم، وليست في صالحهم، فيجب أن تُعالج، وحتى يعود الزواج إلى يسره، وإلى سهولته، ليؤدي دوره في الحياة.
مختارات