" قبل الوداع "
" قبل الوداع "
أخي المغترب:
تحية لك من كل سعفة نخل.. ومن كل صهوة جواد.. ومن كل شذى وردة.. ومن كل تغريدة طير.. حب يدفعه تقدير.. يسابقه إعزاز.. يحمله شوق.
أخي:
لم يعد محدثك ممن تذعن له صهوات الكلمة.. مثلما كان في السابق.. إنه الآن يكد الذهن ويشحذ الفكر.. حتى يكتب كلمتين.
أخي المهاجر:
لم تعد الأيام كما كانت.. مرابع الأنس اندثرت.. وأصدقاء الوفاء تفرقوا في أرض الله.. ما بين داعية للخير في بلاد الحضارة المادية.. وما بين معلم في أرخبيل أندونيسيا.. وما بين طالب علم في قلب الجاهلية! لهم في هذه المدينة بقايا أثر.. وخطوات سعد.. ودعوات حب.. وذكريات تلوح في الذاكرة.
انتشر الرفاق في المعمورة.. وبقيت أنا والدنيا مثل المدرسة.. تخرج الأجيال وحارسها هو هو لم يتغير، ولم يتبدل.. ولكن حارس المدرسة يتكيف مع الأجيال.. وصاحبك الذي اعتاد على نمط رتيب لا يتبدل.. أخال أنَّا لن نلتقي.. فإن شاء الله ذلك.. فاعلم أني أحبك في الله.. ولك من كل أرض فيها ساجد تحية.
أخي المهاجر:
لئن شط المزار وبعد.. فإن الرسائل نعم الشمائل.. قد تكون عوضًا عن اللقيا.. وتفريجًا للهم.. وتسرية للبيب.. نحن بخير إن سمعنا أخبارك.. نحن بخير إن تمسكت بعقيدتك.. نحن بخير إن لم تفرط في قيمك.. فأنت غائب شاهد.. غائب بالجسم.. شاهد بالقلب.. محلك حبة القلب.. لن تنزل عنه.. ولن ترحل.. فأنت مقيم ما بقيت على عقيدتك.. ويوم تتحول عنها نتحول.. لكن الأمل يبقى.. ووعد الله ينفذ.. وسيحمل النصر قوم.. يمشون على الأرض وقلوبهم معلقة بالسماء.
مختارات