لكل شيء علامة!! فما علامة اهتمامك بدعوتك؟ (2)
2- الرباط الرباط:
أصغِ إلى هذا الموقف في مغازي الواقدي:
في رجوع الصحابة من غزوة ذات الرقاع قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رجلٌ يكلؤنا الليلة؟ فقام عمار بن ياسر وعبَّاد بن بِشر، فقالا: نحنُ يا رسول الله نكلؤك، وجعلت الريح لا تسكن، وجلس الرجلان على فم الشعب،فقال أحدهما لصاحبه: أيُّ الليل أحب إليك أن أكفيك أوله فتكفيني آخره؟ قال: اكفني أوله، فنام عمار بن ياسر وقام عبَّاد بن بشر يصلي، وأقبل عدو الله، ففوَّق له سهما فوضعه فيه فانتزعه، ثم رماه بآخر فوضعه فيه فانتزعه، ثم رماه الثالث فوضعه فيه، فلما غلب عليه الدم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أتيت، فجلس عمار، فلما رأى الأعرابي أن عمارا قد قام علم أنهم قد نذروا به، فقال عمار: أي أخي.. ما منعك أن توقظني به في أول سهم رمى به؟ قال: كنت في سورة أقرؤها وهي سورة الكهف، فكرِهت أن أقطعها حتى أفرغ منها، ولولا أني خشيت أن أُضيِّع ثغرا أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انصرفت ولو أُتِي على نفسي!!
وكلنا اليوم وقوف على نفس الثغر الذي وقف عليه عبَّاد، ونشهد نفس الموقف بحذافيره، في ظل هجمة شرسة على رسول الله وحرب سافرة على الإسلام وحملة عدوان ممنهجة تستهدف زلزلة ثوابت الأمة وتمييع عقيدتها ونهب ثرواتها، وكأنَّ صوت رسول الله يهتف بيننا اليوم مستصرِخا: من رجلٌ يكلؤنا اليوم؟!
فهل شعرنا ونحن في حقل الدعوة بما شعر به هذا الصحابي الجليل، وهل استحضرنا نية المرابطة على الثغور ولو كان العمل الموكل إلينا بسيطا، وهل صاحبتنا هذه الروح حتى في الأعمال التي يَسُدُّ فيها الثغر سوانا، وفي كل مساراتنا الدعوية وتحركاتنا اليومية في سبيل نصرة الدين؟!
يا صاحب الرسالة.. انهض بعزم لا تنم.. وإذا أردت لهمتك أن تعلو ولعجزك أن يخبو ولأعذارك أن تتوارى ولقلبك أن يصحو، فاستنشق عبير الرباط المبارك وكأنك وحدك الذي أنيط به التكليف وتلقى الأمر، وكأنك وحدك الذي يملك الجرعة الشافية لمريض أشرف على الهلاك، وأشرِب قلبك –وأنت تتحرَّك في دعوتك- أنك إن لم تقم بأي واجب من واجباتك الدعوية أصيب الدين في مقتل، وأنت السبب!!
عوتب الإمام أبو الأعلى المودودي في كثرة اجتهاده، وطالبه تلامذته يوما أن يستريح جالسا، فقال:
(إذا جلستُ أنا، فمن عساه يبقى واقفا!!(.
الوقوف وحيدا!!
يدفعك إلى ذلك ويحثك عليه وقوفك غدا للحساب عاريا إلا من عملك، لا يدفع عنك ملائكة العذاب سوى بذلك، ولا يتكلم عنك إلا صحيفة حسناتك، ولا يحجب وجهك عن حرارة جهنم مثل حرارة السعي على مصالح الدعوة، وعندها تشهد الجوارح لتُعرّي كل من ارتدى ثوب السلبية القبيح يوم تتوالى الاعترافات وتتقدَّم الشهادات.
وكأن الحسن البصري لمح نفرا من الدعاة ازدحم الناس حولهم واحتفوا بهم، فانطلق يعظهم موعظة من ارتدى ثيابهم واحترف حرفتهم، فخبر عيوبهم وأمراضهم ثم انطلق يدعوهم:
(رحم الله رجلاً لم يغره كثرة ما يرى من كثرة الناس، ابن آدم إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتُبعث وحدك، وتحاسب وحدك.. ابن آدم!! وأنت المعني وإياك يُراد).
مختارات