" المطلب الثاني : سيرة بطـل الأبطال "
" المطلب الثاني: سيرة بطـل الأبطال "
إن حياة رسولنا الكريم هي النموذج الأمثل لما يجب أن تكون عليه حياة الشباب الدعاة أصحاب المعالي، يقول الإمام ابن حزم: «من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه...» (الأخلاق والسير في مداواة النفوس) وقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كما قال ربه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162] حياة كلها مكابدة وجهاد في سبيل هداية البشرية ورفع راية الحق لا يتعب ولا يفتر، ولا توقفه التحديات الصارخة والتي بدأت بتسفيه عمه أبي لهب له، ولا يعبأ بالمخاوف والأهوال، حياة كوهج الشمس فيها الشعلة المتقدة وفيها النور والضياء وفيها الطهر والنقاء، لم يكن للنوم في عينيه مقام طويل بل خفقات تهدهد رأسًا مُليء علمًا وحزمًا وحرصًا، وأي نوم يهجم على عين باكية ساهرة على حقوق الله عز وجل.
«لم يكن مثله صلى الله عليه وسلم في الصبر والثبات واستقرار النفس واطمئنانها على زلازل الدنيا، ولا في الرحمة ورقة القلب والسمو فوق معاني البقاء الأرضي فهو قد خلق كذلك ليغلب الحوادث ويتسلط على المادة فلا يكون شأنه شأن غيره من الناس تدفنهم معاني التراب وهم أحياء فوق التراب أو يحدهم الجسم الإنساني من جميع جهاتهم بحدود طباعه ونزعاته» (وحي القلم).
إن أتيته في ميدان الدعوة فهو سيد الدعاة وأقدرهم وأحكمهم وأفهمهم للواقع الذي يعيشه، وإن أتيته في ميدان العلم فهو البحر المثجى الذي لا ساحل له، وإن أتيته في الجهاد فهو الأسد الهصور الذي تحتمي به الأبطال عند قراع السيوف، ولعمر الحق إن هذا «فعل رجل عرف الوجود والموجِد فماتت أغراضه وسكنت اعتراضاته» (صيد الخاطر) حياة زاخرة فوارة بكل ما هو عظيم، حتى آخر أيام حياته قد بلغ صلى الله عليه وسلم بالإخلاص في الدعوة الغاية القصوى والنهاية العظمى، وبنى لهذه الأمة بعد أن كانت محتقرة أعظم مجد وأسماه، ورفع الإنسانية من الدرك الأسفل إلى أعالي القمم، فصارت بذلك عقيدة ودينًا بعد أن كانت أمنية ووهمًا، وبذلك استحق أن يكون المصلح الحقيقي للتاريخ.
مختارات