" غرفة الأحزان "
" غرفة الأحزان "
قصتي ليست من نسيج الخيال، ولكنها واقع عشته يومًا من الأيام.
لقد أهيل التراب على طفلتي التي قاربت العام والأول من عمرها، بعد أن قرر الأطباء أن لديها فشلاً كلويًا عانت منه ما عانت، وأقامت في المستشفيات ما أقامت حتى أصبح جسدها النحيل كأنه كتلة لحم وعندما نزل بها الموت احتسبتها عند الله عز وجل.
ومضت السنون حيث أنعم الله تعالى علي بمولودة جميلة، ولكن التاريخ يعيد نفسه، وإذا بي أرى أن بطن ابنتي بدأ ينتفخ شيئًا فشيئًا، حتى جاء ذلك اليوم الذي اشتدت فيه الحمى عليها –وكانت قد تجاوزت العام الأول من عمرها- أخذتها إلى الطبيب، لقد كنت أتخيل أي داء قد نزل بها، إلا الفشل الكلوي لم يخطر لي على بال.
وهناك كانت الصدمة، كانت الحيرة، لقد كانت نتيجة التحليل مشابهة لتحاليل أختها المتوفاة، حملتها إلى المستشفى لأن الأمر أصبح بحاجة إلى مستشفى، وليس إلى عيادة خاصة.
وكان الدخول.. لقد مضت أول ليلة في ذلك المستشفى وأنا في ذهول !! ثم تم تحويلها إلى مستشفى متخصص، وبدأ الأطباء يعطونها الكثير من العلاج لعله يكون مجرد التهاب وينتهي أمره، وطال البقاء في المستشفى، تدخل حالات، وتخرج حالات هذا مصاب بربو.. وتلك مصابة بتشنجات، وذاك بحمى وأرى النساء يتضجرن وينزعجن من إصابة أبنائهن بهذه الأمراض –والتي يمكن علاجها بمجرد دواء-.. وهي مع ذلك تترقب الخروج ما بين يوم وآخر، أما أنا فلم أعد أفكر في الخروج.
تم نقلي وطفلتي إلى غرفة انفرادية لعدم وجود مناعة لديها لما تتعاطاه من أدوية.
عشت في هذه الغرفة وحيدة مع طفلتي أعاني الألم والحزن والقلق، عشت فيها مع المحاليل والإبر مع البكاء والعويل، والصراخ الذي تطلقه طفلتي الغالية تشكو لي ما يحدث لها من وخز الإبر ومرارة الدواء.. ولكن ليس بيدي حيلة.
لقد ازدادت حالتها الصحية سوءًا.. وازداد حجم الماء في جسدها حتى أصبحت ذات منظر يثير الحزن والأسى.
تضرعت إلى العلي القدير، أن ييسر نقلها إلى مستشفى متخصص، وفعلاً تم ولله الحمد.
وهناك كان الفشل قد تمكن من الكلية بكاملها، وانحبس البول انحباسا شديدًا وخاف الأطباء على قلبها من وجود الماء... ذلك الطوفان المدمر، وكان لابد من التدخل السريع.
وهنا تبدأ معاناة من نوع آخر، معاناة الغسيل البروتيني وما أدراك ما الغسيل البروتيني؟! حملت طفلتي إلى غرفة العمليات.. وهناك عمل لها الأطباء ثقب في منطقة البطن، أدخل من خلاله أنبوب يتصل بغشاء البطن الداخلي، وطرفه الآخر يتصل بكيس بلاستيك يدخل من خلاله السائل البروتيني في بطنها ثم يخرج ساعات طويلة عندها حسب الحالة ويستبدل الكيس بكيس آخر جديد.
وكتب لنا الخروج.. لك الحمد يا رب، آن الأوان للرحيل إلى بيتي، وأطفالي وأهلي وأحبابي، طالما اشتقت إليهم، لقد طالت غربتي وطال بعدي.
لقد تنقلت من مكة إلى جدة إلى الرياض، لم أكن أصدق أنني سأخرج من ذلك السجن حيث الأوهام والأفكار المفزعة سأحمل ابنتي إلى بيتي.
لقد صرف لها الدواء ولكن دواءها ليس مجرد شراب، أو كبسولات أوحقن، بل كان مجموعة من الكراتين التي تحمل السائل البروتيني.
عادت ابنتي ولكنها ليست كبقية الأطفال كما ذكرت، بل أصبحت طفلة تعيش في هذه الحياة بحدود، وقيود ثقيلة، فلا يسمح لها بشرب الماء إلا بمقدار قليل جدًا لأن ما تشربه من ماء لن يجد له مخرجًا فالبول قد أنحبس، وانحبست معه السموم داخل جسدها.
ومع حرارة الصيف يهرع الناس إلى الماء المثلج، إلى الآيس كريم، والمرطبات أما ابنتي فتشرب قطرات من الماء لا تكاد تروي عطشها المستمر، إنها تصرخ كلما رأت كأسًا ولو فارغًا... تقف أمام الثلاجة وتبكي وتتوسل.. والحرارة تشتد، والظمأ يتزايد وبكاؤها ينادي: لم تحرموني من الماء؟؟ أيستطيع أحدكم أن يصبر عن الماء ساعة؟؟ ومن الصعب جدًا حرمان طفلة صغيرة بهذه السن من الماء، لقد بلغ بي الأمر أن أخفيت الثلاجة داخل إحدى الغرف، ولكن ما لبثت أن عرفت ذلك، فأصبحت تلازم باب الغرفة وتبكي، وتصرخ، حتى أننا أصبحنا نتسلل إلى الغرفة خفية حتى لا ترانا، ومع ذلك كانت كثيرًا ما تفطن إلينا، وتلحق بنا وتبكي ولكني أخرجها دون أن تشرب شيئًا، وأحيانًا لا أستطيع تحمل بكائها، وحرمانها فأعطيها قليلاً من الماء... ولكن لا يكاد يروي عطشها، فتستمر في الصراخ.
في ليلة من الليالي، ازداد بكاؤها، ولا أعلم لماذا حان موعد الغسيل وعندما أخرجت السائل وجدت أن لونه قد اختلف، ولم يعد صافيًا كما كان، أصبت بالهلع بكت.. شكوت إلى الله حالي في تلك الليلة، من الصعب الذهاب إلى المستشفى في منتصف الليل.
أدخلتها غرفة الغسيل، وهي تصرخ وتبكي، كررت الغسيل لكن دون جدوى بت ليلتي تلك وأنا أتألم بآلام طفلتي، وفي الصباح الباكر ذهبنا بها إلى المستشفى واستمر علاجها طويلاً، حتى بدأت تستجيب نوعًا ما للشفاء وتم الخروج ولكن لم نبق في البيت سوى سبعة عشر يومًا حتى عاودها الالتهاب ثانيًا، وعدنا إلى المستشفى ومكثنا هنا ما شاء الله، حتى جاء موعدنا مع الطبيب، فذهبنا وكم كانت سعادتي عندما قال الطبيب: إن الالتهاب قد شفي، وعدت إلى داري وأنا سعيدة أن أطلق سراحنا.
واستمرت معاناتي مع ابنتي وإن معاناتها ليست مع الغسيل وآلامه، بل كانت تحتاج إلى كمية كبيرة من العلاج، لابد من أخذها من مسحوق لابد أن تأخذ منه كمية كبيرة، وإلا ارتفع لديها (البوتاسيوم) وارتفاعه يعد خطرًا على القلب، وكانت تكره شربه بالفم، بل تصرخ كثيرًا عند شربه، لذلك كنت أعطيها إياه عن طريق الشرج وهذه أيضًا صعبة جدًا لعدم وجود حقنة شرجية خاصة بها، بل كنت أستخدم حقنة ذات حجم كبير.
وكانت صرخاتها تتعالى مما يزيد آلامي، وأحزاني بل وأشد من ذلك أنه لابد من إعطائها حقنة تحت الجلد، حملتها إلى ممرضة في نفس الحي، رحبت بنا -جزاها الله خيرًا- وتأثرت كثيرًا بمنظر طفلتي المحزن.. ولكن أيضًا وجدت صعوبة في الاستمرار معها لشدة إرهاقي مع ابنتي داخل البيت، من غسيل وعلاج، وغيار للثقب الذي في بطنها (الذي يخرج منه الأنبوب) فاضطررت أن أتعلم منها كيفية ضرب الحقن، ولم يطل ذلك الأمر، لأنني تعودت على رؤيته كثيرًا في المستشفيات.
كان الموقف صعبًا... لا أطيق أن أتحمل بكاءها، لقد أحسست أن الأمر صعب، أمسكها من حولي وهي تصرخ وتبكي... وكلما غرزت الإبرة تحت الجلد أشعر وكأنما أغرزها في قلبي.
وذات مرة بدأ السائل ينحبس قليلاً قليلاً، وظهر في سرتها انتفاخ، وأراد الله أن يكون في ذلك الوقت لها موعد في الرياض، حملتها إلى غرفة الكشف وفحصها الأطباء، حاولوا إخراج السائل بالإبر، فلعله انسداد بسيط، ولكن دون جدوى، وكنت أخشى أن يقول لي الطبيب لابد من الدخول أو عملية... فلقد كرهت الإقامة في المستشفيات، ولم أعد أطيق ذلك، ولكن قرر الأطباء أن معها فتاق في السرة، ولابد من إعادة عملية الأنبوب ليستبدل بأنبوب جديد، ولعدم وجود سرير طلب منا العودة من الغد.
حملت ابنتي أنا وأبي وذهبنا إلى الفندق.. وهناك وجدت نفسي أبكي بحرقة، وشدة لا أتخيل أن أعود مرة أخرى إلى المستشفى.
ماذا ينتظر ابنتي هناك؟ ماذا؟ احتضنتها عانقتها، لقد سئمت ذلك المكان، سئمت القيود الثقيلة، الحمد لله على كل حال.
جاء موعد غسيلها في الصباح ولم يكن لدينا في الفندق الحامل لأضع عليه كيس الغسيل ولا يوجد المكرويف لتسخينه، ولكن أحضر لي أبي ماء ساخنًا، وأمسك هو بالكيس، وأخذ ينتظر نزوله في بطنها، وذلك في العادة يستغرق دقيقتين، إلى ثلاث دقائق فقط، ولكن طال الانتظار فالسائل يتسرب ببطء شديد ومرت عشر دقائق... ربع الساعة، نصف الساعة، ساعة كاملة، ونحن نتناوب حمل الكيس حتى أصبنا بالإرهاق، فقمنا بتعليقه في النافذة الموجودة في الغرفة... ولكن الوقت يمر دون فائدة لقد توقف خروج السائل فحمدت الله تعالى أن هذا الحدث قد حدث ونحن على موعد مع المستشفى.
كانت الساعة السابعة صباحًا تقريبًا، والموعد مع الطبيب الساعة العاشرة، لم أتحمل الانتظار حملتها وغسيلها الذي لم يكتمل بعد، وتم الدخول وحملت الطفلة مباشرة إلى الطوارئ، ثم إلى غرفة العمليات، وقام الموظف المختص بحملها إلى غرفة العمليات، حيث وضعها في سرير كالقفص الحديدي، وذهب بها من أمامي وهي تنظر إلي ولسان حالها يقول لي: سأعود يا أماه... سأعود !!! غابت عن ناظري وطلبت الممرضة مني الذهاب إلى الغرفة المخصصة لي ولطفلتي.
وطالت ساعات الانتظار والهواجس تعصف بي من كل مكان، ولكني استودعتها الله الذي لا تضيع ودائعه.
وإذا بالهاتف يرن فإذا الممرضة تقول: إن ابنتك خرجت من غرفة العمليات، وستبقى في العناية المركزة فترة من الزمن.. وجاء موعد الزيارة، ولكني شعرت بالخوف. لم أعد أطيق أن أراها في ذلك المكان، ترددت في الزيارة ومرت ساعة... وساعتان.. ولا أستطيع تحمل منظرها وهي بين الأجهزة.
ولكن جاءت بعض الأخوات لزيارتي، وطلبت منهن الذهاب معي حيث ترقد ابنتي.. دخلنا غرفة العناية المركزة، وهناك رأيت كثيرًا من الأطفال المرضى وكنت أسير بينهم في خوف وقلق.. أود أن يقع بصري عليها.. شفقة عليها... ها هي جالسة... لا لا إنها ليست ابنتي، وفي آخر الغرفة كانت ترقد حبيبتي، نظرت إليها من بعيد لم أستطع الاقتراب منها، لأن السرير مغلق وكانت الممرضة تعمل لها الغسيل.. عدت إلى غرفتي.. وبقيت أنتظر حتى عادت إلي طفلتي الحبيبة واستمر الغسيل.
ولكن فوجنا بفشل الغسيل عند إخراج السوائل... لم يعد جسمها يستجيب للغسيل البروتيني حاول الأطباء لكن دون جدوى، وبدأ الأطباء يفكرون في تبديل الغسيل البروتيني إلى غسيل دم.
إن قرار أن يستبدل غسيلها قرار خطير... ثم إن غسيل الدم ليس أمرًا هينًا.
إن المريض يتصل بالجهاز الذي يغسل دمه أربع ساعات تقريبًا كل ثمان وعشرين ساعة... إنه رهينة وأسير لهذا الجهاز ناهيك عما يعانيه المريض من آلام ورعشة شديدة وحالات إغماء أحيانًا إن كان الدم لديه ضعيفًا، فكيف بالله لطفلة لم تتجاوز العامين من عمرها أن تتحمل هذا الألم؟!.
إن قلبي يتمزق من الخوف والقلق، من ذلك المصير المؤلم، ولكن الأطباء قاموا بإعطائها فرصة للاستمرار في الغسيل البروتيني فطلب منا الخروج والمراجعة بعد أسبوعين.
وعدنا إلى دارنا بعد غيبة عنها... واستمر الغسيل، ولكنه فشل وكنت أكثف لها الغسيل حتى تصل في اليوم إلى سبع مرات، حتى أصبح في آخر أيامها كل ساعتين، واستمر انحباس السوائل وزدادت لهفتها على الماء، والغسيل لا يجدي نفعًا، وكثر بكاؤها وعناؤها.. حتى جاء ذلك اليوم الذي لن أنساه ما حييت، يوم الجمعة لاحظت عليها ضيقًا في التنفس، وضعت لها الأكسجين دون جدوى، ثم حملتها إلى المستشفى وهناك رأيت علامات الموت ظاهرة عليها تجمع الأطباء حولها في الطوارئ.. وضعوا لها الأكسجين، والمحاليل والإبر.. والأدوية.. لكن هيهات هيهات.
لقد عانت الطفلة من سكرات الموت معاناة شديدة، جحظت فيها العينان، وبرزت إلى الخارج بشكل مخيف ومفزع، حتى أنني لم أعد أرى لها جفونًا، بل اختفت تمامًا تحت بروز العينين، واسود اللسان والشفتان، وانقطع منها الصوت والأنين، وبدأت كأنما تبحث عن الهواء بحركات قوية ومتقطعة.. اقتربت منها، وقد أحرقتني دموع الفراق.. ودعوت الله وتضرعت إليه أن يخفف عنها ما أرى من شدة... أخرجت من الغرفة إلى الخارج.. وأنا لا أزال أتضرع وأبكي بين يدي الله تعالى أن ينهي هذه المأساة على خير، وإذا بالعصر يؤذن له ومعه رفعت دعائي للعلي العظيم، لابنتي الحبيبة ولكن صغيرتي في تلك اللحظة لم تكن في الطوارئ، بل نقلت إلى مستشفى أخرى دون أن أشعر بها... وفي تلك اللحظة لحق بي أبي، وأمي، وحملاني إلى هناك حيث تعالج ابنتي السكرة والنزع... وما إن وصلت.. حتى... فارقت الحياة.. ماتت... ماتت... هذا ما قاله لي أخي عندما سألته كيف هي؟ فقال: ماتت... قلت: أين هي؟ فأشار إلى حيث ترقد.
فدخلت عليها، فإذا بها ترقد في براءتها المعهودة، الحمد لله، ارتاحت من الألم ارتاحت من الغسيل المر، اقتربت منها فقبلتها... اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها.
ودعت حبيبتي... وداعًا... وداعًا يا فلذة كبدي... وداعًا يا ثمرة فؤادي.
عدت إلى البيت أخرجت ملابسها جميعًا من البيت... نظرت إلى غرفة الأحزان.. غرفة الغسيل... وهذه ألعابها مترامية وهذا دولاب ملابسها، وهناك تلعب وتترنم.. جاءت الساعة الخامسة.. موعد الغسيل.. لقد تأخرت آه.. لم تعد موجودة.. اللهم أجرني في مصيبتي.
الله لطيف بعباده.. الآن أكتب قصتي هذه وأنا أهز سرير ابنتي الصغيرة والتي تبلغ من العمر سبع سنوات.
فاللهم لك الحمد على ما أخذت وما أعطيت.
تأملات في القصة:
ليس الغرض من سياق هذه القصة إدخال الحزن على قلبك أيها القارئ، إنما الغرض منها تذكيرك بنعم الله عليك... إنك تشرب الماء متى تشاء، وبالقدر الذي تريد، لا يمنعك من ذلك الشيء.. ثم إنك تتخلص منه ولا تفكر كيف خلصك الله تعالى منه، بينما حبس خروجه من الآخرين.. عجبت لك يا ابن آدم.. تشرب بدون حساب.. وتخرج بدون حساب.. فأين شكرك لمسدي هذه النعم؟! أتتمتع بكل هذه النعم، ثم تبخل أن تقابل الجميل بالعرفان؟! أتبخل على نفسك بالذلة والطاعة بين يديه تعالى؟!.
إن أقل حق لهذه النعمة فقط (من بين بقية النعم) أن تكون صوامًا قوامًا مطيعًا لله.. ولكن هناك فئة من البشر أنعم الله تعالى عليها بالنعم الجزيلة.. وهي تتمرغ في أوحال الرذائل والمعاصي.
تناسوا أن أنفاسهم في هذه الحياة معدودة وخطواتهم معدودة وبقاءهم في هذه الحياة بقدر معلوم، ولكل أجل كتاب.
أيها العاصي تذكر أن من أعدق عليك كل هذه النعمة قادر على سلبها منك فأدِّ حقها عليك.
إن من عبر هذه القصة: أن البلاء مهما طال ومهما عظُم فلابد للغيوم أن تنجلي، وكلما أحلولك الظلام واشتد فلابد أن تبدأ تباشير الصباح، وهنا اهمس في أذن كل مبتلى: صبرًا في ذات الله صبرًا، إن بعد البلاء خير عظيم، إنك الآن قريب من الله تعالى، ضارع إليه تناجيه في كل حين تتلمس منه الفرج في كل لحظة لقد أصبحت لا تأنس ولا تتلذذ إلا بالخلوة بين يدي خالقك.
وقد يكون البلاء أحيانًا نذيرًا للعبد من الاستمرار في ضلاله وعصيانه، فكم من البشر من يعيش في هذه الدنيا وهو لا يعي من أمر الآخرة شيئًا؟ لهو... عبث... عصيان... بعد عن الله تعالى.. مثل هذه الفئة لا يجدي معها التذكير والنصح.. إنما لا بد من هزة عظيمة وحدث عظيم يعيده إلى رشده، وقد لاحظنا الكثيرين ممن عادوا إلى الله وكتابه بعد أن نزل بهم البلاء، والكرب العظيم فعلاً أنه لا ملجأ من الله إلا إليه.
قال تعالى: " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [السجدة: 21].
لقد كانت ثقتي في الله كبيرة جدًا.. فما رجوته ودعوته إلا وجدت منه مددًا وعونًا.
نعم لم يستجب لي في شفاء ابنتي في الدنيا، لكنه سبحانه لم يرد يدي صفرًا بل كان ينـزل على قلبي السكينة، والأمل في أحلك الأحوال التي مرت علي، يمدني بالصبر، والتحمل، ويطمئن قلبي، ولو بالرؤية فله الحمد والمنة...
أذكر أنني بعد وفاة ابنتي كنت أراها في المنام تأتيني في كل شهر مرة تقريبًا فأحتضنها بين أضلاعي وألقمها ثديي، وأشعر وأنا في ذلك الوضع بالدفء والحنان، فاستيقظ من النوم وكأنها بين يدي.
وما أن حملت بأخيها حتى انقطعت رؤياها عني فسبحان الله العظيم على لطفه وكرمه. ( هذه القصة كتبتها إحدى الأخوات، ونقلتها باختصار).
مختارات