جعفر بن أبي طالب
اسمه:
جعفر بن أبي طالب، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، أبو عبد الله، بن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأخو علي شقيقه.
قصته مع النجاشي وبعض فضائله:
كان يلقب بجعفر الطيار، وقد هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين وهم على خيبر، إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهراً، ثم أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك فاستشهد، وقد سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيراً بقدومه، وحزن والله لوفاته. وقد وروى عنه ابن مسعود وعمرو بن العاص وأم سلمة وابنه عبد الله حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ثمانين رجلاً أنا وجعفر، وأبو موسى وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية، فقدما على النجاشي فلما دخلا سجدا له وابتدراه فقعد واحداً عن يمينه، والآخر عن شماله، فقالا: إنَّ نفراً من قومنا نزلوا بأرضك، فرغبوا عن ملتنا، قال: وأين هم؟ قالوا: بأرضك، فأرسل في طلبهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم فاتبعوه، فدخل فسلم، فقالوا: مالك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا لله، قالوا: ولم ذاك؟ قال: إنَّ الله أرسل فينا رسولاً، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله، وأمرنا بالصلاة والزكاة، فقال عمرو: إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه، قال: ما تقولون في ابن مريم وأمه؟ قال جعفر: نقول كما قال الله: روح الله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر، قال: فرفع النجاشي عوداً من الأرض، وقال: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ما تريدون ما يسوؤني هذا، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه، وقال: انزلوا حيث شئتم، وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما، قال: وتعجل ابن مسعود فشهد بدراً. وقد روى نحوه ابن عون عن عمير بن إسحاق عن عمرو بن العاص محمد بن إسحاق عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت: لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان هو في منعة من قومه وعمه لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (إن بأرض الحبشة مَلِكاً لا يظلم أحداً عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً). فخرجنا إليه أرسالا حتى اجتمعنا، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا. وقال الشعبي: تزوج علي أسماء بنت عميس فتفاخر أبناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر فقال كل منهما: أبي خير من أبيك، فقال علي: يا أسماء اقضي بينهما؟ فقالت: ما رأيت شاباً كان خيراً من جعفر، ولا كهلاً خيراً من أبي بكر، فقال علي: ما تركت لنا شيئاً، ولو قلت غير هذا لمقتك، فقالت: والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار. وعن أبي قتادة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش الأمراء وقال: " عليكم زيد، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب جعفر فابن رواحة ". فوثب جعفر، وقال: بأبي أنت وأمي ما كنت أرهب أن تستعمل زيداً عليَّ، قال: " امضوا فإنك لا تدري أي ذلك خير ". فانطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله، ثم إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعد المنبر وأمر أن ينادي: الصلاة جامعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم عن جيشكم؟ إنهم لقوا العدو، فأصيب زيد شهيداً، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء جعفر فشد على الناس حتى قتل، ثم أخذه ابن رواحة فأثبت قدميه حتى أصيب شهيداً، ثم أخذ اللواء خالد، ولم يكن من الأمراء هو أمر نفسه)، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أصبعيه وقال: (اللهم هو سيف من سيوفك فانصره). فيومئذ سمي سيف الله، ثم قال: ( انفروا فامددوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد ). فنفر الناس في حر شديد. وقال ابن إسحاق: وهو أول من عقر في الإسلام، وقال:
وعن نافع عن ابن عمر قال: فقدنا جعفر يوم مؤتة، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعاً وتسعين، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده. وعن نافع أن ابن عمر قال: جمعت جعفر على صدري يوم مؤتة فوجدت في مقدم جسده بضعاً وأربعين من بين ضربة وطعنة. وعن أسماء قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بني جعفر فرأيته شمهم، وذرفت عيناه، فقلت يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء؟ قال: (نعم قتل اليوم). فقمنا نبكي ورجع فقال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد شغلوا عن أنفسهم ). وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: لما جاءت وفاة جعفر عرفنا في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحزن. وعن ابن عباس قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة، مضرجة قوادمه بالدماء يطير في الجنة). وعن أبي هريرة مرفوعا: (رأيت جعفرا له جناحان في الجنة). ويُقال عاش بضعاً وثلاثين سنة – رضي الله عنه -. وعن الشعبي قال: لما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -من خيبر تلقاه جعفر، فالتزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبَّل بين عينيه وقال: ( ما أدري بأيهما أنا أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر). وفي رواية: فقبل ما بين عينيه وضمه واعتنقه. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها فاختصم فيها هو وجعفر وزيد فقال علي: ابنة عمي وأنا أخرجتها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، فقضى بها لجعفر، وقال: ( الخالة والدة ). فقام جعفر فحجل حول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار عليه، فقال: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم. وقال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلَّم على عبد الله بن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. وعن أم سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي، وقد مر بعض ذلك، قالت: فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا على أن يرسلوا إليه، فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا هدايا له ولبطارقته، فقدموا على الملك، وقالوا: إن فتية منا سفهاء فارقوا ديننا ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، ولجؤوا إلى بلادك فبعثنا إليك لتردهم، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، فغضب، ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم، وقوم لجؤوا إلى بلادي، واختاروا جواري، فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم، وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال النجاشي: ما هذا الدين؟ قالوا: أيها الملك كنا قوما على الشرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم والدماء، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا، نعرف وفاءه وصدقه، وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم، قال: فهل معكم شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال لهم جعفر: نعم، فقرأ عليهم صدراً من سورة كهيعص، فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عيناً، فخرجا من عنده، فقال عمرو: لآتينه غداً بما أستأصل به خضراءهم، فذكر له ما يقولون في عيسى، قال شباب علي وجعفر وعقيل أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وقال الواقدي: هاجر جعفر إلى الحبشة بزوجته أسماء بنت عميس، فولدت هناك عبد الله وعوناً ومحمداً. وقال ابن إسحاق: أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفساً. وقال أبو جعفر الباقر: ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره. وروي من وجوه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم جعفر قال: (لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر). وفي رواية تلقاه واعتنقه وقبله. وفي الصحيح من حديث البراء وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر: (أشبهت خَلْقي وخُلُقي). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: كنا نسمي جعفر أبا المساكين، كان يذهب بنا إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئاً أخرج إلينا عكة أثرها عسل فنشقها ونلعقها. وعن عكرمة سمعت أبا هريرة يقول: ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -أفضل من جعفر بن أبي طالب. رواه الترمذي والنسائي وإسناده صحيح.
وفاته:
استشهد بمؤتة من أرض الشام، مقبلاً غير مدبر، مجاهداً للروم في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم -، سنة ثمان. وقد حز النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه حزناً بليغاً، فعن عائشة قالت: لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحزن.
من مصادر الترجمة:
السير (1/206). وحلية الأولياء (1/114 – 118). وأسد الغابة (1/341).
مختارات