" الجارة الداعية "
" الجارة الداعية "
عندما جئت إلى الرياض لم أكن أعرف بها أحدًا، وحرص زوجي جزاه الله خيرًا على أن أتعرف على أخوات طيبات، قال لي: إنهن نشيطات في الدعوة إلى الله، فعسى أن تتعاوني معهن.. ولكن مرت الأيام ولم أر أثرًا لذلك التعاون، بالرغم من أنني كنت أتحدث معهن عن الأعمال التي كنا نمارسها، وبينت لهن أني على استعداد للمشاركة معهن في أي عمل دعوي، ولكنني لم أتلق أي إجابة.. مرت عليَّ الأيام ثقيلة.. ثقيلة.. فقد كانت الدعوة إلى الله تنتشلني انتشالاً، مما أنا فيه، وتنسيني همومي الدنيوية لتجعل همي هم الآخرة.. فكيف لي أن أعيش دون دعوتي؟... رجعت إلى أوراقي وأقلامي أنظر إليها بأسى.. وما وجدت طريقًا سوى أن ألخص بعض الكتيبات، وألخص بعض الأشرطة، أو أن أكتب مواضيع معينة، أحاول أن أبحث فيها.. وأحيانًا كنت أكتب فوائد في بطاقات أعطيها زوجي ليستفيد منها.. وأحيانًا أبحث في المجلات الإسلامية عن مواضيع تصلح لأن تكتب في نشرات، وتوزع في المدارس، وهذا ما تم بالفعل والحمد لله، إذ لابد أن أشارك ببعض الأعمال، ولابد من أفكار دعوية توزع على منطقتنا، وعلى المدارس. وهكذا مرت سنة كاملة على هذا الوضع.. إلى أن عرضت على جارتي إلقاء دروس في منزل إحدى الأخوات... حقيقة.. لم أكن متمرسة في إلقاء الدروس بكثرة.. فقد كنت مقلة جدًا.. كنت أفضل الدعوة الورقية (أقصد الكتابة وإعداد النشرات واختيار الكتب وهكذا).. وكنت أشعر أنني لست بالجريئة عند مواجهة الناس.. ولكنني هنا شعرت بأنني لابد أن أقبل، فهذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لي.. فتوكلت على الله وذهبت، وما توقعت أن يكون قبولهن إلى هذه الدرجة ولله الحمد والمنة من قبل ومن بعد.
وتكرر هذا الأمر والفضل لله أولاً وأخيرًا.. ثم لتفهم زوجي لدور المرأة المسلمة في الدعوة.. ما كان يتوانى، جزاه الله خيرًا عن إيصالي لمعارف جارتي مهما بعد البيت.
من المواقف التي تأثرت بها: أنني حدثتهن مرة عن الظلم.. وبينت لهن أن المرأة تظلم زوجها عندما تسيء معاملته.. وذكرت لهن مجموعة من الأحاديث عن حسن معاملة الزوجة لزوجها.. قلت لهن عن المرأة الودود الولود العئود، التي إذا غضب عليها زوجها أتته فوضعت يدها وقالت: لا أذوق غمضًا حتى ترضى !! قلت لهن: العئود التي تعود إلى زوجها لتسترضيه في حال كونها مظلومة أو ظالمة، بل في حال كونها مظلومة أكد.. إذ لا فضل لها في الاعتذار إن كانت ظالمة، ولكن الفضل كل الفضل أن تعذر وهي مظلومة.
حدثتهن عن ظلم الإنسان لجوارحه أذنيه... عينيه.. يديه.. باستخدامها في معصية الله.. وكم حزنت عندما علمت أن منهن من سهرن تلك الليلة على سماع الموسيقي والرقص.. كيف حدث هذا وقد حدثتهن عن الظلم.. كيف يظلمن آذانهن.. في سماع مالا يرضي الله ويستغللن نعمة السمع في معصية الله.. تأثرت حينها.
ولكن بعد فترة قصيرة، جاءتني جارتي لتخبرني بأن فلانة التي حضرت معنا الدرس، في ذلك اليوم تجهزت للخروج، في نفس اليوم الذي سمعت فيه الدرس.. تجهزت لحضور حفلة زواج.. وكان زوجها منشغلاً بإصلاح بعض الأعمال في منزلهم.. فلما رآها تهم بالخروج، وقد كان عصبي المزاج لا يتورع عن السب والشتم.. منعها من الخروج وشتمها.. تقول: رجعت وهي تبكي، وبعد أن دخل غرفته وهي لا زالت تبكي.. تذكرت ما قلته لهن عصرًا.. تقول: فاعتذرت له وهي تبكي، تقول جارتي: ففوجئت به يبكي معها، فكان بكاؤها فرحة باستجابته الفورية بالرغم من قسوته فهي تراه لأول مرة باكيًا.. فما استطاعا تلك الليلة أن يناما من شدة التأثر.. إنها بركة الاستجابة لأوامر الله سبحانه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى فلله الحمد والمنة.. تذكرت حينها أن من أراد أن يدعو إلى الله يبدأ ولا ينتظر مساعدة من فلان أو علان.. أو أن يقول سأنتظر أخوات ملتزمات يوجهنني ويبدأن معي.. فلنفرض أنه لن يلتقي بمن يساعده أو من يبدأ معه فهل يضع يده على خده ويضيع أوقاته هدرًا؟ إذن المطلوب أن نبدأ والله سبحانه يوفق ويسدد..«ومن عمل صالحًا فلنفسه» !.
مختارات