" التوحيد والاستغفار "
" التوحيد والاستغفار "
يقرن كثيرا في القرآن بين التوحيد والاستغفار؛ لأن فيهما نفي النقص عن الخالق، والاعتذار من نقص المخلوق، فقوله: " لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ " فيه الاعتراف والإقرار بوحدانية الله عز وجل وتنزيهه عن النقائص والعيوب، ثم الاعتراف بظلم العبد نفسه بالخطايا والذنوب والاستغفار طلب وإنما يحصل الطلب بين يدي الثناء والمدح، وأعظم مطلوب هو الله عز وجل، وأعظم ما يمدح به التوحيد الخالص، وذكر وحدانيته في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فحسن تقديم هذا الثناء العظيم.
وقد ورد في الحديث: «أفضل الدعاء: لا إله إلا الله»أخرجه مالك في الموطأ فسئل بعضهم: كيف جعلها دعاء، وهي إثبات وتقرير؟ فقال: إن من أثنى عليك فقد تعرض لك بالسؤال كما قال أمية بن أبي الصلت:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحباء
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء
وقال تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ " (سورة محمد: 19) فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، وقدم التوحيد الذي هو أصل الأصول، وأمر بالاستغفار الذي هو سبب لحصول المحبوب، ودفع الموهوب، فمن عرف سر هاتين الكلمتين، لا إله إلا الله واستغفر الله أحبهما وأكثر منهما، وتعلق بهما، وأدمن من تكرارهما، وتعلم أسرارهما، وتفقه في معانيهما، وقضى وقته بين اعتراف بالجميل وإقرار بالمعروف لصاحبه تبارك وتعالى، وثناء عليه، وإيمانا بوحدانيته، بين تبرؤ من الحلول والقوة والاعتراف بظلم النفس وقلة البضاعة، ورداءة المحصول، واتهام النية، والانكسار عن تذكر الخطيئة، ومقت الذات غاية المقت، ولوم النفس غاية اللوم على ما فرطت في جنب الله وأكثرت من مخالفة أوامر الله، وعندما يحصل عفو الله ومغفرته ورضوانه، فما هطلت سحائب الرضوان إلا برضا الرحمن، والانكسار بين يديه، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه.
وذكر ابن أبي الدنيا زين بن أسلم قال: قال عثمان بن عفان –رضي الله عنه-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا احتضر الميت فلقنوه لا إله إلا الله، فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده إلى الجنة»، وقال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: " أحضروا موتاكم ولقنوهم: لا إله إلا الله وذكروهم، فإنهم يرون مالا ترون " (أخرجه عبدالرزاق: وابن أبي شيبة في مصنفة).
قال العلماء: تلقين الموتى هذه الكلمة سنة مأثورة عمل بها المسلمون. وذلك ليكون آخر كلامهم لا إله إلا الله فيختم له بالسعادة وليدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»(أخرجه أبو داود من حديث معاذ ابن جبل –رضي الله عنه).
وروي عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «حضر ملك الموت رجلا قال: فنظر في قلبه فلم يجد فيه شيئا، ففك لحييه فوجد طرف لسانه لاصقا بحنكه يقول لا إله إلا الله، فغفر له بكلمة الإخلاص» (رواه البيهقي) (حياة البرزخ، طلال مكي الخيمي).
أخي القارئ.. أختي القارئة: يستحب قول «لا إله إلا الله» لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس: أي تأخر وبَعد ولا إله إلا الله رأس الذكر، ولذلك اختار صفوة هذه الأمة لا إله إلا الله لأهل الخلوة وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه في كل وقت وفي كل حال، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك إن الوسواس إنما يبتلى به من كَمُل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتا خربا. (إبليس خطيب جهنم، أحمد بادويلان).
مختارات