" الموقف الثاني : الصحابى الجليل أبو محجن الثقفي رضي الله عنه "
" الموقف الثاني: الصحابى الجليل أبو محجن الثقفي رضي الله عنه "
ثم إلى موقف صحابي آخر هو أبو محجن الثقفي – رضي الله عنه – لقد كان هذا الصحابي مبتلى بشرب الخمر فكان يجاء به فيجلد، ثم يجاء به فيجلد، ولكنه لم يفهم أن هذا يعفيه من العمل لدينه أو القعود عن نصرته، فإذا به يخرج مع المسلمين إلى القادسية يجاء به إلى سعد بن أبي وقاص وقد شرب الخمر، فيعاقبه سعد وتكون العقوبة حبسه فلا يدخل المعركة، ولا يشارك في القتال.
وكانت عقوبة قاسية آلمت أبا محجن أشد الألم حتى إذا سمع ضرب السيوف ووقع الرماح وصهيل الخيل وعلم أن سوق الجهاد قد قامت، وأبواب الجنة قد فتحت جاشت نفسه وهاجت أشواقه إلى الجهاد فعبر عن حسرته بقيام سوق الجهاد وهو حبيس القيد والسجن بقوله:
كفى حزنًا أن ترتدي الخيل وأترك مشدودًا إلي وثاقيا
إذا قمت عنا في الحديد وغلقت مصارع دوني قد تصم المناديا
فلله عهد لا أخبس بعهده لئن فرجت ألا أزور الخواليا
ثم نادى امرأة سعد ابن أبي وقاص قائلاً: خليني فلله علىَّ إن سلمت أن أجيء حتى أضع رجلي في القيد، وإن قتلت استرحتم مني. فرحمت أشواقه، واحترمت عاطفته وخلت سبيله، فوثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء ثم أخذ الرمح وانطلق لا يحمل على كتيبة إلا كسرها، ولا على جمع إلا فرقه، وسعد يشرف على المعركة ويعجب ويقول: الكر كر البلقاء، والضرب ضرب أبي محجن.
حتى إذا أنهزم العدو عاد أبو محجن فجعل رجله في القيد فما كان من امرأة سعد إلا أن أخبرته بهذا النبأ العجاب وما كان من أمر أبي محجن، فأكبر سعد – رضي الله عنه – هذه النفس، وهذه الغيرة على الدين، وهذا الأِشواق للجهاد وقام بنفسه إلى هذا الشارب الخمر يحل قيوده بيديه الطيبتين ويقول: «قم فوالله لا أجلدك في الخمر أبدًا، وأبو محجن يقول: وأنا والله لا أشربها أبدًا» (الإصابة).
فانظر أيها الأخ المبارك إلى هذين الرجلين كيف لم تعفهما الخطيئة، ولم تقعدهما المعصية عن الولاء للدين والعمل له.
مختارات