" المقـدمـة "
" المقـدمـة "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: قال الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه [مختصر منهاج القاصدين]:
قال تعالى: " يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا.. " إلى قوله: " وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ " [آل عمران: 30]، وقال: " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ... " إلى قوله: " وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " [الأنبياء: 47]، وقال: " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ.. " إلى قوله: " وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " [الكهف: 49]، وقال " يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ " إلى آخرها [الزلزلة: 6]، فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة.
وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة، فمن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، وحسن منقلبة، ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته، فلما علموا أنهم لا ينجيهم إلا الطاعة وقد أمرهم الله تعالى بالصبر والمرابطة فقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [آل عمران: 200]، فرابطوا أنفسهم أولاً بالمشارطة، ثم بالمراقبة، ثم بالمحاسبة، ثم بالمعاقبة، ثم بالمجاهدة، ثم بالمعاينة، فكانت لهم في المرابطة ست مقامات، وأصلها المحاسبة، ولكن كل حساب يكون بعد مشارطة ومراقبة، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة، ولا بد من شرح ذلك المقام.
مختارات