لا تزرعوا العلقم في دياركم وأتلفوه (المستعصم بالله)
لا تزرعوا العلقم في دياركم وأتلفوه (المستعصم بالله):
الخليفة الشهيد أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله منصور بن الظاهر محمد بن الناصر أحمد بن المستضيء الهاشمي العباسي البغدادي.
ولد سنة تسع وست مئة.
واستخلف سنة أربعين يوم موت أبيه. وكان فاضلا، تاليا لكتاب الله، مليح الكتابة.
وكان كليما، حليما، متدينا، سليم الباطن، حسن الهيئة.
قال قطب الدين اليونيني: كان متدينا متمسكا بالسنة كأبيه وجده، ولكنه لم يكن في حزم أبيه، وتيقظه وعلو همته، وإقدامه، وإنما قدموه على عمه الخفاجي لما يعلمون من لينه وانقياده وضعف رأيه ليستبدوا بالأمور.
ثم إنه استوزر المؤيد بن العلقمي الرافضي، فأهلك الحرث والنسل، وحسن له جمع الأموال، وأن يقتصر على بعض العساكر، فقطع أكثرهم، وكان يلعب بالحمام، وفيه حرص وتوان.
وفي سنة خمس وخمسين وستمائة مات صاحب مصر الملك المعز أيبك التركماني، قتلته زوجته شجر الدر في الغيرة، فوسطت.
وجرت فتنة مهولة ببغداد بين الناس وبين الرافضة، وقتل عدة من الفريقين، وعظم البلاء ونهب الكرخ، فحنق ابن العلقمي الوزير الرافضي، وكاتب هولاكو، وطمعه في العراق، فجاءت رسل هولاكو إلى بغداد، وفي الباطن معهم فرمانات لغير واحد، والخليفة لا يدري ما يتم، وأيامه قد ولت، وصاحب دمشق شاب غر جبان، فبعث ولده الطفل مع الحافظي بتقادم وتحف إلى هولاكو فخضع له، ومصر في اضطراب بعد قتل المعز، وصاحب الروم قد هرب إلى بلاد الأشكري، فتمرد هولاكو وتجبر، واستولى على الممالك وعاث جنده الكفرة يقتلون ويأسرون ويحرقون.
وفي سنة ست قصد هولاكو بغداد فخرج عسكرها إليه فانكسروا، وكاتب لؤلؤ صاحب الموصل وابن صلايا متولي إربل الخليفة سرا ينصحانه فما أفاد، وقضي الأمر وأقبل هولاكو في المغول والترك والكرج، فأشار الوزير على الخليفة بالمدارة وقال: أخرج إليه أنا، فخرج واستوثق لنفسه ورد فقال: القان راغب في أن يزوج بنته بابنك أبي بكر ويبقي لك منصبك كما أبقى صاحب الروم في مملكته من تحت أوامر القان، فاخرج إليه، فخرج في كبراء دولته للنكاح يعني، فضرب أعناق الكل بهذه الخديعة ورفس المستعصم حتى تلف، وبقي السيف في بغداد بضعة وثلاثين يوما، فأقل ما قيل: قتل بها ثماني مئة ألف نفس، وأكثر ما قيل بلغوا ألف ألف وثماني مئة ألف، وجرت السيول من الدماء فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم بعد ذهاب البلد ومن فيه إلا اليسير نودي بالأمان، وانعكس على الوزير مرامه وذاق ذلا وويلا وما أمهله الله.
وعمل ابن العلقمي على ترك الجمعات وأن يبني مدرسة على مذهب الرافضة، فما بلغ أمله وأقيمت الجمعات.
وكان قد مشى حال الخليفة بأن يكون للتتار نصف دخل العراق. فقال ابن العلقمي: بل المصلحة قتله، وإلا فما يتم لكم ملك العراق.
قلت: وله ذرية إلى اليوم بأذربيجان، وانقطعت الإمامة العباسية ثلاث سنين وأشهرا بموت المستعصم، فكانت دولتهم من سنة اثنتين وثلاثين ومائة إلى سنة ست وخمسين وست مئة فذلك خمس مئة وأربع وعشرون سنة، ولله الأمر.
بعد هذه الجولة نسأل الله تعالى أن يحفظ علماء وأمراء هذه الأمة، ويحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمته أن نغتال من تحتنا.
مختارات