سقاه سما فسُقي سما
سقاه سما فسُقي سما (ابن هبيرة):
الوزير الكامل، الإمام العادل، يمين الخلافة، أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، الشيباني الدوري العراقي الحنبلي، صاحب التصانيف.
قال ابن الجوزي: كان إذا استفاد شيئا من العلم قال: أفادنيه فلان، وقد أفدته معنى حديث، فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي، فكنت استحي، وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة ويأذن للعامة في الحضور، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا فأعجبه، وقال لزوجته: أريد أن أزوجه ابنتي، فغضبت الأم.
وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة، فخالف فيها الجمع، وأصر، فقال الوزير: أحمار أنت ! أما ترى الكل يخالفونك؟! فلما كان من الغد، قال للجماعة: إنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق، فليقل لي كما قلت له فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، واعتذر للفقيه، وقال: أنا أولى بالاعتذار، وجعل يقول: القصاص القصاص، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي: إن أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير: له حكمه، فقال الفقيه: نعمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي؟ قال: لابد، قال: علي دين مئة دينار، فأعطاه مائتي دينار، وقال: مئة لإبراء ذمته، ومائة لإبراء ذمتي.
قال الذهبي: له كتاب " الإفصاح عن معاني الصحاح " شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم. وفي عشر مجلدات، وألف كتاب " العبادات " على مذهب أحمد، وله أرجوزة في المقصور والممدود، وأخرى في علم الخط واختصر كتاب " إصلاح المنطق " لابن السكيت.
وفي ليلة الثالث عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمس مئة استيقظ وقت السحر، فتقيأ، فحضر طبيبه ابن رشادة، فسقاه شيئا، فيقال: إنه سمه، فمات. وسقي الطبيب بعده بنصف سنة سما، فكان يقول: سَقيت فسُقيت، فمات.
ورأيت آثارا بجسده ووجهه تدل على أنه مسموم، وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمع لم نره لمخلوق قط، وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر والعدل، ورثته الشعراء.
مختارات