" قتلت أمها وأباها "
" قتلت أمها وأباها "
قد يعبد الناس شجرًا وحجرًا، وقد يعبدون فأرًا أو عجلاً وأخطر ما يعبده البشر أهواءهم قال تعالى: " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ " [الفرقان: 43].
بسبب الهوى كذبت الرسل، وانتهكت الحرمات، وضيعت الفرائض، وسفكت الدماء، وسلبت الأموال.
يذكر ابن كثير في (البداية والنهاية 13/6) أنه جرت في سنة (589هـ) كائنة غريبة، وهي أن ابنة تاجر من تجار الطحين عشقت غلام أبيها، فلما علم أبوها بأمرها طرد الغلام من داره، فواعدت البنت ذلك الغلام ليلة، فجاء إليها، متخفيًا، فتركته في بعض الدار.
إلى هنا القصة ليس فيها غرابة، والأمر الغريب هو ما حدث بعد ذلك فبعد أن هدأت الدار، ونام أهلها، أمرت البنت ذلك الغلام أن ينزل إلى أبيها فيقتله، ثم أمرته بأن يثني بأمها الحبلى، ثم أعطت تلك المجرمة ذلك المجرم الذي فتنت به حليًا بقيمة ألفي دينار، وقد نالت يد العدالة ذلك المجرم، فقتل، وكذلك جزاء من قتل.
ويذكر ابن كثير أن ذلك الرجل والد البنت كان رجلاً صالحًا من خيار الناس، كثير الصدقة والبر، وكان شابًا وضيء الوجه.
وقد جرت حادثة قريبة من هذه الواقعة في هذا القرن في أكتوبر 1933م في فرنسا، وقد هزت الجريمة فرنسا بأسرها في ذلك الوقت.
وتتلخص تلك الحادثة في أن رجلاً له بنت وحيدة في مقتبل العمر، مستهترة في إرضاء شبابها، تأوي إلى حي الطلبة، كثيرة الأخلاء، وجدت أحد خلانها يشتهي أن يقتني سيارة، فصممت على قتل أبيها وأمها وأن تستولي على ما عندهما من نقود؛ ليقتني خليلها سيارة ولتتمتع هي وهو بما بقي من السرف والبذخ، فعمدت إلى والديها فدست لهما السم، فأما والدها فقضى نحبه، وابتزت منه بضعة عشر ألف فرنك، وأما والدتها فصابرت الموت وتشبثت بأذيال الحياة، فأثخنتها بالجراح حتى وثقت من أن ذلك كان لإزهاق روحها، وابتزت منها ألفًا وخمسمائة فرنك، وأسرعت إلى حي الطلبة حيث ينتظرها خليلها، وظلت في رقص ومعاقرة وما يتبع ذلك ثلاثة أيام.
أما أبوها فقد علم به البوليس وأمرت الحكومة بدفنه، وأما أمها فقد عثر عليها فاقدة الصواب فعولجت من السم وضمدت جراحها ونجت من الموت.
إن الإنسان عندما يبتعد عن رقابة ربه وخالقه، يصبح عبدًا لهواه وشهواته فيصير حيوانًا ؛ بل الحيوان أرقى وأسمى قال تعالى: " أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ " [الأعراف: 179] (أبناؤنا بين البر والعقوق: هيا الرشيد).
مختارات