" دعت الابنة على أبيها فقال : آمين... آمين !! "
" دعت الابنة على أبيها فقال: آمين.
.
آمين !! "
كان ممن تأثرت أخلاقهم وأفكارهم بالنظرة المادية.
.
فأصبح المال محبوبه الأول.
.
وأعمت المادة بصيرته، فلم يعد يبصر إلا من خلال ثقوبها الضيقة.
.
وأصبح المال ميزانه الذي يزن به الأمور.
.
وكانت له ابنة بلغت مبلغ الزواج.
.
وأخذ الخطاب على اختلاف مراتبهم يدقون أبوابه راغبين في الزواج من ابنته، ولكنه كان يردهم بحجج واهية، ظاهرها المصلحة وباطنها المادة.
.
مع أن من هؤلاء الخطاب أصحابُ دين وخلق.
.
ممن أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهم.
.
ولكن كان لسان حاله يقول: أين الذي يدفع أكثر.
.
والمنافع والمصالح من ورائه أكبر؟ ومرت الأيام.
.
وظل على أحلامه المادية.
.
ومرت الأعوام.
.
وترك قطار الزمن ابنته في محطة العنوسة.
.
وغادر الخطاب بابه.
.
واتجهوا لغيره ممن لديهم بقية دين وخلق.
.
ممن يرفضون بيع بناتهم كالنعاج في الحراج.
وذبُل شباب ابنته.
.
وانطفأت نضارتها.
.
وجف عودها ومع الأيام دب السقم في جوانحها.
.
وأصيبت بداء عضال أضنى الأطباء شفاؤه.
.
ونقلت إلى المستشفى.
.
وحانت لحظاتها الأخيرة.
.
وأُخبر والدها بالأمر.
.
فأفاق من عالمه المادي، وأتى مسرعًا ليرى ابنته في ثوب المرض بعد أن حرمها منذ زمن من ثوب الزفاف،نظر إليها مشفقًا عليها.
.
نظرت إليه بعينين قد اغرورقت بالدمع، وأخذت تتمتم وتحرك شفتيها.
.
دنا منها ليسمع ما تريد البوح به في لحظتها الأخيرة.
.
فوجدها تطلب منه أن يقول آمين.
.
فقال: آمين.
.
ثم تمتمت مرة أخرى، وطلبت منه أن يقول آمين.
.
فقال: آمين.
.
ثم فعلت ذلك مرة ثالثة، وطلبت منه أن يقول آمين.
.
فقالها.
وبعد فترة من الصمت المشحون بالأسى.
.
سألها برفق عن الدعاء الذي طلبت منه أن يؤمن عليه.
.
فانحدرت دموعها الأخيرة.
.
وأجابت بعد صمت بصوت واهن مليء بالأسى.
.
لقد دعوت الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني من الزواج.
وطوى القبر في باطنه مأساة دامية وبقي المجرم الذي أعمى الجشع بصيرته.
.
بقي يندب نفسه وابنته.
.
ويعض أصابع الندم.
.
ولات ساعة مندم.
.
هذه مأساة سمعنا بها وعرفناها، فيا ترى كم من المآسي من هذا النوع تمت في صمت، ولم نسمع بها.
.
ما دام الناس في إعراض عن الحياة وفقه الشريعة وآدابها.
.
فلا شك أن هناك الكثير من هذا النوع.
.
وما خفي كان أعظم (النور، العدد (99)، نقلاً عن: كشكول الأسرة ص: 34، 35).
مختارات