يسأل عن صحة دعاء للتحصن منشور على ( الإنترنت )?
ما صحة هذا الدعاء: (بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، اللهم إني اسألك يا الله يا رحمن يا رحيم يا حليم يا كريم يا قديم يا مديم يا عظيم يا الله، يا خير مسؤول، ويا أكرم مأمول، يا من له الحمد والثناء، وبيده الفقر والغناء، وله الأسماء الحسنى، لا مانع لمن أعطاه، ولا مضل لمن هداه، يفعل في ملكه ما يشاء، رب الأرباب، ومعتق الرقاب، ذو القوة القاهرة، والعظمة الباهرة، مالك الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق "، وبهول يوم المخاف، وبالزخرف والطور، بالرق المنشور، بالبيت المعمور، بالسقف المرفوع، بالبحر المسجور، بضوء القمر، بشعاع الشمس، بضوء النهار، بظلام الليل، بدوي الماء، بخيرات الأرض، بحفيف الأشجار، بعلو السماء، بهبوط الأرض، بجريان البحر، بعجائب الدنيا، بنور الصباح، بمكنون سرك، بوفاء عهدك، بعلمك بالشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها، بقرب الجنة، ببعد النار، بعدل الميزان، بهدير الرعد، بلمعات البرق، برقدة أهل الكهف، بفطرة الإسلام، بزمزم والمقام، والحج إلى بيت الله الحرام، بسر يوسف، بطور سيناء، بسورة " يس "، بالأنبياء المرسلين، بحلة آدم، بتاج حواء، بحلة إبراهيم، بناقة صالح، بعصاة موسى، بإنجيل عيسى، بزابور داوود، بفرقان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، برقعة إدريس، بسفينة نوح، بسدرة المنتهى، بجنة المأوى، باللوح المحفوظ، بما جرى به القلم، بساعات الدهور، بالفلك الذي يدور، بالصدور وما حوت، بالأنفس الزكية وما عملت، والأقلام وما دارت، والنجوم وما سارت،......... سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)؟
الحمد لله
من المعلوم لدى جميع المسلمين أن الدعاء من أفضل العبادات، وأشرف القربات، وأن الأنبياء إنما بعثوا لتوحيد الدعاء لله سبحانه وتعالى، وتوقيف الناس على الدعاء الذي يشرعه الله ويبينه للناس.
ولذلك فإن من أخطر ما يناقض الإسلام، صرف الدعاء لغير الله، أو تشريع ما لم يأذن به الله من طرق وصيغ وأنواع الدعاء في مناسبات وأحوال مختلفة، يلتزمها الناس ويعملون بها، ويحفظونها ويتواصون بها، وغالبا ما يصاحب تلك الأدعية المستحدثة اعتقاد فضلها وعظيم نفعها وأجرها.
ولا أرى الدعاء المنقول في السؤال إلا من هذا الباب.
فهو دعاء مخترع مبتدع وضعه من وضعه ليكون ملاذا لمن أراد التحصن من الشرور، يعتقد فيه النفع، وينسبه إلى الشرع، ويستبدله بالأدعية والأذكار المشروعة الثابتة، وإن لم يكن ذلك بلسان المقال، فهو ولا شك واقع بلسان الحال.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في " مجموع الفتاوى " (22/510):
" عمن يقول: أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرح عنه أنه قد أساء وأخطأ، إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار، فعدوله إلى رأيه واختراعه جهل وتزيين من الشيطان، وخلاف للسنة، إذ الرسول لم يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا، ولم يدخر الله عنه خيرا، بدليل إعطائه خير الدنيا والآخرة، إذ هو أكرم الخلق على الله، فهل الأمر كذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله:
" الحمد لله، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هى أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّمًا، وقد يكون مكروها، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس.
وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنًى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ ورد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة، ونهاية المقاصد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى.
وفي الدعاء المنقول في السؤال كثير من الكلمات المنكرة المبتدعة، فضلا عن المعاني التي لم ترد بها أدلة الكتاب والسنة، ومن ذلك:
1- التوسل بأمور لا وجه للتوسل بها لا في العقل ولا في الشرع، وهي من التوسل الممنوع، إذ لم يرد في الشريعة ما يدل على التوسل بمثلها: انظر فيه قوله: اللهم إني أسألك باحتياط سورة " ق "...بضوء القمر، بشعاع الشمس،..بحفيف الأشجار.. بجريان البحر.. بعجائب الدنيا..إلى آخر تلك الكلمات الكثيرة السمجة التي تدل على جهالة واضعها.
2- وفيه أيضا سوء الأدب مع الله بالقسم عليه بغير ما شرع القسم به من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فراح يتكلف أشياء غريبة: تاج حواء، عصا موسى...، إلى آخر ما ذكره من العدوان والافتراء.
3- الاعتداء في الدعاء، حيث فيه سؤال ما لا ينبغي للعبد أن يسأله، وذلك في قوله: اللهم إني أسألك أن تجعل لي كرامة جبريل، ومهابة إسرافيل، وقبول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
4- وفيه التعدي بتقرير بعض الأمور الغيبية بالوهم والخرص، انظر قوله: خلق النور من النور.
5- وفيه عُلقةٌ مما تقرره الفرق الباطنية من دعوى أن للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا، وذلك في قوله: بسر يوسف.
6- وفيه الكثير من الأخطاء اللغوية كاستعمال كلمات غير مستعملة نحو (مفرود) وسجع متكلف سمج تمجه الأسماع، ومترادفات كثيرة، وتنطع، وتكلف، وسخافة لا تدل إلا على جهل واضعها واستسخافه عقول الناس، ولا يكاد المرء يكره نفسه على قراءته إلا بالجهد الجهيد، فكيف بقبوله والعمل به، قاتل الله واضعه الكذاب !!
والعجب أنه ورغم كل هذه النكارات ينسب إليه واضعه التحصين ودفع الشرور؟!
فليحذر المسلم من الالتفات إلى مثل هذه المبتدعات، وليلجأ إلى أذكار التحصين الشرعية، والتي تحوي جوامع الكلم، وأبلغ الجمل، وأحسن الكلمات ثناءً على الله واعترافا بفضله، وهي الكلمات التي كان يحصن بها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وأبناءه، نحو ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما - يعني إبراهيم عليه السلام - كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري (3191) (الهامة): بتشديد الميم هي كل ما له سم يقتل. (من كل عين لامة) أي من كل عين تصيب بسوء.
وفي موقعنا مجموعة من الأذكار والأدعية الشرعية، يمكنك مراجعتها في أرقام الأجوبة الآتية: (77208)، (82463)
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
مختارات