من منازل السير الشريفة
من منازل السير الشريفة=منزلة الطمع في الرب تبارك اسمه؛ فإنه لا يدعوك إلى سؤاله وحسب، ولكن يدعوك إلى تعظيم المسألة والرغبة فيما عنده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".
فهو تبارك اسمه يحب أن تسأله، ويحب أن تطمع فيه، وأن تعظِّم الرغبة.
والكريم من الناس إذا سئل الشيء القليل=أحس أن السائل يستبخله، فكيف بالله رب العالمين الذي لا تنفد خزائنه ولا يرد سائله، ولا يخيب طمع لائذ به ضارعٍ بين يده مفتقر ذليل، فما أطمعه ولا أجرى لسانه ولا وفقه للدعاء إلا هو!
يقول أبو جعفر رضي الله عنه في تفسيره في الكلام على " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودًا":
وعسى من الله واجبة، وإنما وجه قول أهل العلم: عسى من الله واجبة= لِعِلْم المؤمنين أن الله لا يدَعُ أن يفعل بعباده ما أطمَعَهُم فيه من الجزاء على أعمالهم، والعِوَضِ على طاعتهم إياه، ليس من صفته الغرور.
ولا شك أنه قد أطمع من قال ذلك له في نْفعِه، إذا هو تعاهده ولزمه، فإنْ لزم المقولُ له ذلك وتعاهَدَه، ثم لم ينفعه، ولا سَبَبَ يحول بينه وبين نفعه إياه، مع الإطماع الذي تقدم منه لصاحبه على تعاهده إياه ولزومه= فإنه لصاحبه غارٌّ بما كان من إخلافه إياه فيما كان أطمعه فيه بقوله الذي قال له!
وإذا كان ذلك كذلك، وكان غيرَ جائزٍ أن يكون جلَّ ثناؤه من صفته الغرور لعباده= صحَّ ووجب أنَّ كُلَّ ما أطمعهم فيه من طمعٍ على طاعته، أو على فعلٍ من الأفعال، أو أمرٍ أو نَهْيٍ أمَرَهُم به، أو نهاهم عنه، فإنه مُوفٍ لهم به، وإنهم منه كالعِدَةِ(يعني الوعد) التي لا يخلف الوفاء بها= قالوا: عسى ولعل من الله واجبة"اهـ
مختارات