" صدقوني إنني أموت "
" صدقوني إنني أموت "
نشأ في أسرة متصدعة لا تربطها أي علاقة حب أو عاطفة أو رحمة، فالأب قاسي القلب، سريع الغضب، بخيل على زوجته وأولاده. ثم تخلى هذا الأب عن أسرته، وتركهم دون رعاية، وتحملت الأم مسؤولية البيت، وأخذت تشتري وتبيع؛ كي توفر المال الذي تنفقه على عيالها، ونتج عن تخلي الأب عن مسؤوليته، وانشغال الأم بطلب الرزق أن انحرف الولد، وانخرط مع رفاق السوء الذين لا هم لهم إلا مغازلة الفتيات، والبحث عن الرذيلة في الشقق المفروشة، وانغمس في الحرام، وزين له رفقاء السوء والفساد السفر إلى بانكوك، فإنه هناك سيجد كل ما يريده بين يديه بثمن بخس.
وأخذ هذا الولد الفاسد بالضغط على أمه المسكينة الضعيفة، وأقنعها أنه يريد السفر إلى هناك كي يهرب من التجنيد الإلزامي، فحن قلب الأم ورقت له، وهل هناك أرق من قلب الأم؟! كذب على أمه فصدقته، وسافر إلى هناك مع قرناء السوء، ووجد كل ما يحلم به من المتعة المحرمة، وطالت إقامته وتزوج واحدة من المومسات، وأنجب منها بنتًا، ولكن لكل شيء نهاية، فقد نفدت أمواله، وكانت الأم المسكينة ترسل له الأموال بين فترة وأخرى، حتى اضطرت للاستدانة كي ترسل له ما يريد، ولكن انقطعت الأم عن إرسال المال، فلم تستطع تدبير أي مبلغ ترسله لولدها.
ولما ضاقت به السبل اضطر للرجوع لأرض الوطن. وهنا أقنعته أمه بأن يتزوج من بنات بلده، وهي لا تعلم أنه متزوج من إحدى المومسات الساقطات، ولكنه أطاعها وتزوج ممن اختارتها له أمه، تزوجها مكرًا وخديعة وغدرًا بهذه المسكينة، وتركها وهي في شهر العسل كما يقولون، وعاد إلى حياة العفن والرذيلة التي قدم منها، فأمثاله لا يستطيعون العيش في الهواء النقي والشمس المشرقة، بل لا يحلو لهم العيش إلا في البؤر الفاسدة ضاربًا عرض الحائط بتوسلات أمه وهي ترجوه بعدم العودة والبقاء هنا، وتأكد للأم أنه متزوج هناك، وأنه منغمس بالرذيلة، فقررت مقاطعته، وأصمت أذنها عنه كلما اتصل بها يريد مالاً، ولم تعد تصدق أعذاره الواهية وحججه الكاذبة.
ولم تمض سنة على سفره حتى أصيب بمرض «الإيدز» ووقع طريح فراش المرض يعاني الآلام المبرحة التي تكاد تقطعه وهو حيّ، وأخذ يتصل بأمه وكلمها بصوت ضعيف متهدج: «أمي إنني أموت صدقوني... تعالوا إلي حتى أراكم قبل أن أموت»، ولكن من يصدق الكذاب، فكانت الأم تقول: أنت كذاب كعادتك، ولن أصدقك.
وبعد أيام من هذه المكالمة اتصلت الخارجية بالأم المسكينة لتخبرها بتسلم جثة ولدها القادمة من بانكوك (جريدة الأنباء تاريخ (13/5/1996م)، بتصرف. نقلاً عن: كما تدين تدان ص: 93، 94).
مختارات