" الـديــون "
" الـديــون "
تراكمت عليه الديون حتى ثقل كاهله عن حملها حاول أن يسددها من خلال شراء سيارات بالأقساط ثم سداد ما عليه.. لكنه كان كمن استعان على الرمضاء بالنار.. فازدادت عليه الديون وتضاعفت حتى عجز عن سدادها، وكان أصحاب الحقوق يطالبونه بأداء حقوقهم، أُوصدت في وجهه الأبواب.. أينما يذهب يجد مطالبا له بدين جديد أو قديم.. لم يهنأ بنوم ولا طعام فأصحاب الديون يطاردونه حتى في المنام..استشار كثيرا من أصحابه في كيفية السداد فكان كل منهم يدلي برأيه ويشير عليه بأمر؛ لكنه لم يجد جدوى من آرائهم..ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فلجأ إلى الله تعالى خالق البرية العالم بحال خلقه المطلع عليهم..رفع يديه إلى السماء بقلب خاشع ونفس منكسرة ذليلة.. وأخذ يدعو ويبتهل إلى الله تعالى أن يفرج كربته ويزيل همه وغمه، فهو المطلع عليه العليم بكل أموره وأحواله، لا يخفى عليه شيئا منها..لقد أوصدت في وجهه الأبواب ولم يبق إلا باب الكريم المنان، فأخذ يلح بالدعاء ويتضرع لله في كل وقت، ويفوض أمره لله تعالى الرحيم بعباده السميع المجيب لمن دعاه..بقي على ذلك الحال عدة أشهر وهو يلتزم الصبر ويأمل في فرج قريب.. ولم ييأس من إجابة دعوته ولم يقنط من رحمة ربه، وعندما دخل شهر رمضان المبارك لم يفته يوم من الأيام أن يدعو الله عند الإفطار وفي كل وقت من أوقات الإجابة بتفريج الكربة وسداد الدين.. وكان كلما حاصره أصحاب الديون تزداد ثقته بالله تعالى ويردد ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (سورة الشرح آية 6).
لم يخيب الله ظنه ففي نهاية شهر رمضان المبارك كشف الله كربته بطريقة حفظت له كرامته وحمته من أن يذل نفسه لأحد من الناس.. أو أن يأخذ من الزكاة التي كان يتحرج من الأخذ منها.. فبينما كان غارقا في خضم الأحزان والهموم؛ وإذ باتصال من أحد أصدقائه يبشره بفرج من الله تعالى.. فقد هيأ الله له من أهل الخير من فك كربته وأقرضه مبلغا كبيرا من المال لسداد دينه، وطلب منه أن لا يفكر في قضاء هذا الدين حتى يكمل قضاء كل ديونه مهما طال عليه الوقت، وأن لا يشغل باله به أبدا، حمد الله كثيرا على فرجه ورحمته به، وعلم أن هذا الرجل الكريم الذي لا تربطه به أي رابطة من معرفة أو قرابة.. والذي سخا عليه بذلك المبلغ الكبير وشعر بهمه وغمه وسعى للتخفيف عنه، ولم يكن له غرض من أغراض الدنيا، إنما كان بتوفيق الله تعالى له ورحمته به..فقد عانى سنوات من هذا الهم الجاثم على قلبه والذي احتار في كيفية التخلص منه حتى كاد أن ييأس.. لكن بسبب صبره وتوكله على الله وعظيم ثقته به تعالى وصدق لجوئه إليه وحسن ظنه به؛ فرج الله عنه همه وأراحه مما أهمه.
مختارات