الموعظة السادسة
الموعظة السادسة
قال الله تعالى في صفة خوف الملائكة عليهم السلام منه سبحانه: " يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " [النحل: 50] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافته، وروي أن من حملة العرش من تسيل عيناه مثل الأنهار، فإذا رفع رأسه قال: سبحانك ما تُخشى حق خشيتك». وعن جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما كان ليلة أسري بي رأيت جبريل عليه السلام كالشن (أي كالقربة) الخَلِقِ البالي من خشية الله تعالى».
وقال وهب: «بكى آدم عليه السلام على الجنة ثلاثمائة عام، وما رفع رأسه إلى السماء بعدما أصاب الخطيئة». وقال أبو الدرداء رضى الله عنه: كان يسمع لصدر إبراهيم عليه السلام إذا قام إلى الصلاة أزيز من بعد؛ خوفًا من الله عز وجل. وكان عيسى عليه السلام إذا ذكر الموت يقطر جلده دمًا، وكان رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء. وكان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضى الله عنه يمسك لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد. وقال: يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل. وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يسمع آية فيمرض فيعاد أيامًا، وقال عثمان بن عفان رضى الله عنه: وددت أني إذا مت لا أبعث ( كتاب منهاج القاصدين – للإمام أحمد المقدسي -).
وقال ابن الجوزي رحمه الله محذرًا من الذنوب وعواقبها: الحذر الحذر من المعاصي؛ فإنها سيئة العواقب، والحذر الحذر من الذنوب، خصوصًا ذنوب الخلوات؛ فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه، ولا ينال لذة المعاصي إلا دائم الغفلة؛ فأما المؤمن اليقظان فإنه لا يلتذ بها؛ لأنه عند التلذذ يقف بإزائه علمُه بتحريمها، وحذره من عقوبتها، فأفٍّ للذنوب !! ما أقبح آثارها !! وأسوأ أخبارها !! ولا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة (كتاب صيد الخاطر – لابن الجوزي -).
فيا أخي: أين من ربح في متاجر الدنيا واكتسب؟! أين من أعطى وأسدى ووهب؟! أين من كنز الفضة والذهب؟ أين من رتع في الشهوات؟ أين من أوغل في المعاصي والموبقات؟ أين من بارز ربه بالذنوب والخطيئات؟! أين من بنى القصور الشاهقات؟!
أما فارق دنياه وذهب؟ أما نزل به التلف وأسرهُ العطب؟ أنفعه بكاء من بكى أو ندب من ندب؟ أما ندم على ما جنى وارتكب؟ (كتاب التبصرة – لابن الجوزي -).
مختارات