شعراء مصر وأدباؤها
شعراء مصر وأدباؤها:
قد كان بمصر جماعة كثيرة جداً من الأدباء والكتاب والشعراء، وقد كان لبعضهم آثار إسلامية جليلة وعلى رأس أولئك القاضي الفاضل وزير صلاح الدين وأحد الأسباب الكبرى في تثبيته في معاركه كما سيأتي إن شاء الله تعالى: ومن هؤلاء الشعراء والكتاب والأدباء:
1. جميل العُذْري المشهور بجميل بثينة، أحد عشاق العرب، وإليه ينسب العشق العُذْريّ وهو شاعر إسلامي من أفصح شعراء زمانه، قدم مصر على عبدالعزيز بن مروان -والد الخليفة الراشدي عمر رضى الله عنه - فأكرمه، ومات بمصر سنة 120، رحمه الله تعالى.
2. كُثيِّر بن عبدالرحمن الخزاعي المشهور بكُثيِّر عزة، وكانت معشوقته، توفي قرابة سنة 160، أقام بمصر مدة يمدح عبدالعزيز بن مروان، والد الخليفة الراشدي عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه، وزار قبر عزة بمصر، ولما ماتت عزة ضعف شعره، فقيل له: ما بال شعرك قد قصرت فيه؟ فقال: ماتت عزة فلا أطرب، وذهب الشباب فلا أعجب، ومات عبدالعزيز بن مروان فلا أرغب، وإنما الشعر عن هذه الخلال.
3. نَصيب بن رباح، من شعراء الحماسة، توفي بمصر سنة 180.
4. أبو نواس الحسن ابن هانئ، وهو شاعر بغدادي مشهور بالمجون، وأقام بمصر مدة، وتوفي سنة 199 رحمه الله تعالى.
5. أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، وهو شامي لكنه كان في حداثته في مصر يسقي الماء في المسجد الجامع ثم شاع ذكره وجاد شعره وسار، وبلغ خبره المعتصم فحمل إلى بغداد، وتوفي سنة 231 رحمه الله تعالى وهو القائل: السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
6. ابن طباطبا، عبدالله بن أحمد بن علي، الشريف الحسني المصريّ، نقيب الطالبيين، توفي سنة 345.
7. المتنبي أحمد بن الحسين وقد أقام في مصر عند كافور أربع سنين يمدحه، وله شعر بلغ الغاية في الرقة والروعة والجمال، توفي مقتولاً سنة 354.
8.القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي اللخمي البَيْساني ثم العسقلاني ثم المصري، الوزير الكبير وزير صلاح الدين الأيوبي، رحمهما الله تعالى. له آثار حميدة وأفعال جميلة رائعة، توفي سنة 590 ودفن بالقرافة، وهو من كبار أدباء العربية، وله نثر رائع وشعر كثير، ونثره أجود من شعره، لكن أحسن أعماله على الإطلاق مساندته لصلاح الدين وتثبيته له في رسائلَ جليلةٍ جداً، حتى قال صلاح الدين لقواده: لا تظنوا أني فتحت البلاد بسيفي لكن بقلم القاضي الفاضل، ومن تلك الرسائل قوله لصلاح الدين لما حاصر عكا ثلاث سنين متصلة في أحوالٍ عصيبة وقوارع مخيفة فاستبطأ النصر: " إنما أُتينا من قِبَل أنفسنا، ولو صَدَقْناه لعجَّلَ لنا عواقب صدقنا، ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا، ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به، فلا يستخصم أحد إلا عمله، ولا يلم إلا نفسه، ولا يرجُ إلا ربه، ولا تنتظر العساكر أن تكثر، ولا الأموال أن تحضر، ولا فلان الذي يُعتقد عليه أن يقاتل، ولا فلان الذين يُنتظر أنه يسير، فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها ولا نأمن أن يكلنا الله إليها، والنصر به، واللطف منه، والعادة الجميلة له، ونستغفر الله سبحانه من ذنوبنا فلولا أنها مسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل، وفيض دموع الخاشعين قد غسل، ولكن في الطريق عائق، خار الله لمولانا في القضاء السابق واللاحق "، الله أكبر، ما أحسن هذا الكلام.
ومن كتاب آخر: " وعسكرنا لا يشكو - والحمد لله- منه خَوَراً، وإنما يشكو منه ضجراً، والقوى البشرية لابد أن يكون لها حدّ، والأقدار الإلهية لها قصد، وكل ذي قصد خادم قصدها، وواقف عند حدها، وإنما ذكر المملوك هذا ليرفع المولى من خاطره مقت المتقاعس من رجاله، كما يثبت في شكر المسارع من أبطاله، قال الله – تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) يا مولانا: أليس الله -تعالى- اطَّلع على قلوب أهل الأرض فلم يؤهل ولم يستصلح ولم يختر ولم يُسهل ولم يستعمل ولم يستخدم في إقامة دينه وإعلاء كلمته وتمهيد سلطانه وحماية شعاره وحفظ قبلة موحديه إلا أنت، هذا وفي الأرض مَن هو للنبوة قرابة، ومَن له المملكة وراثة، ومن له في المال كثرة، ومن له في العدد ثروة، فأقعدهم وأقامك، وكسَّلهم ونشَّطك، وقبضهم وبسطك، وحبب الدنيا إليهم وبغَّضها إليك، وصعبها عليهم وهونها عليك، وأمسك أيديهم وأطلق يدك، وأغمد سيوفهم وجرّد سيفك، وأشقاهم وأنعم عليك، وثبطهم وسَيّرك: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُروُجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَـعِدِينَ)
نعم وأخرى أهم من الأولى أنه لما اجتمعت كلمة الكفر من أقطار الأرض وأطراف الدنيا ما تأخر منهم متأخر، ولا استبعد المسافة بينك وبينهم مستبعد، وخرجوا من ذات أنفسهم الخبيثة لا أموال تنفق فيهم، ولا ملوك تحكم عليهم، ولا عصا تسوقهم، ولا سيف يزعجهم، مُهطعين إلى الداعي، ساعين في أثر الساعي، وهم من كل حدب ينسلون، ومن كل بر وبحر يقبلون، كنت يا مولانا -كما قيل- أبقاك الله:
ولستَ بملك هازمٍ لنظيره ولكنك الإسلام للشرك هازم
هذا وليس لك من المسلمين كافة مساعدة إلا بدعوة، ولا مجاهد معك إلا بلسانه، ولا خارج معك إلا بهمّ، ولا خارج بين يديك إلا بالأجرة، ولا قانع منك إلا بزيادة، تشتري منهم الخطوات شبراً بذراع، وذراعاً بباع، تدعوهم إلى الله وكأنما تدعوهم إلى نفسك، وتسألهم الفريضة كأنك تكلفهم النافلة، وتعرض عليهم الجنة وكأنك تريد أن تستأثر بها دونهم.
والآراء تختلف بحضرتك، والمشورات تتنوع بمجلسك، فقائل: لم لا نتباعد عن المنـزلة، وآخر: لم لا نميل إلى المصالحة، ومتندم على فائت ما كان فيه حظ، ومشير بمستقبل ما يلوح فيه رشد، ومشير بالتخلي عن عكا حتى كأن تركها تغليق المعاملة، وما كأنها طليعة الجيش ولا خَرَزة السلك إن وهت تداعى السلك، فألهمك الله قتل الكافر، وخلاف المخذّل، والتجلد وتحت قدمك الجمر، وأفرشك الطمأنينة وتحت جنبك الوعر:
ولكن مولانا صفيحة وجهه كضوء شهاب القابس المتنور
قليل التشكي للمهم نصيبه كثير الهوى شتى النوى والمسالك
لا شبهة أن المملوك قد أطال، ولكن قد اتسع المجال، وما مراده إلا أن يشكر الله على ما اختاره له ويسره عليه، وحببه إليه، فرب ممتحن بنعمة، ورب منعم عليه بمشقة، وكم مغبوط بنعمة هي داؤه، ومرحوم من بلوى هي دواؤه، ويريد المملوك بهذا أن لا يتغير لمولانا -أبقاه الله- وجه عن بشاشة، ولا صدر عن سعة، ولا لسان عن حسنة، ولا تُرى منه ضجرة، ولا تُسمع منه نَهْرَة، فالشدة تذهب ويبقى ذكرها، والأزمة تنفرج ويبقى أجرها، وكما لم يُحدث استمرار النعم لمولانا -عز نصره- بطراً فلا تُحدث له ساعات الامتحان ضجراً، والمملوك يستحسن بيتي حاتم، ومولانا -أبقاه الله وخلد سلطانه وملكه- يحفظهما:
شربنا بكأس الفقر يوماً وبالغنى وما منهما إلا سقانا به الدهر
فما زادنا بغياً على ذي قرابة غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
والمملوك بأن يسمع أن مولانا -عز نصره- على ما يعهده من سعة صدره أسرُّ منه بما يسمعه من بشائر نصره، وياليتني كنت معهم، وماذا كانت تصنع الأيام إما شيباً من مشاهدة الحروب، فقد شبنا والله من سماع الأخبار، أو غُرماً يمكن خُلفه من الوفْر فقد غرمنا في بعد مولانا ما لا خُلف له من العمر، أو مرض جسم فخيره ما كان الطبيب حاضره، ولقد مرضنا أشدَّ المرض لفراقه إلا أن التجلد ساتره ".
ومن كتاب آخر: " قيل للمهلب: أيسُرُّكَ ظفر ليس فيه تعب؟ فقال: أكره عادة العجز.
ولابد أن تنفذ مشيئة الله في خلقه، لا رادّ لحكمه فلا يتسخط مولانا بشيء من قدره، فلأن يجري القضاء وهو راض مأجور خير من أن يجري وهو ساخط موزور، من شكا بثه وحزنه إلى الله شكا إلى مشتكى واستغاث بقادر، ومن دعا ربه خفياً استجاب له استجابة ظاهرة، فلتكن شكوى مولانا إلى الله خفية عنا، ولا يقطع الظهور التي لا تشتدّ إلا به، ولا يُضيق صدوراً لا تنفرج إلا منه، وما شرد الكرى، وأطال على الأفكار ليل السُّرى إلا ضائقة القوت بعكا، ولم يبق إلا ضَعْفٌ نعم المعين عليه ترويح النفس وإعفاؤها من الفكر، فقد علم مولانا بالمباشرة أنه لا يُدَبَّرُ الدهر إلا برب الدهر، ولا ينفذ الأمر إلا بصاحب الأمر، وأنه لا يقلّ الهم إن كثر الفكر:
قد قلت للرجل المقسَّم أمرُه فوض إليه تنم قرير العين
وكل مقترح يجاب إليه إلا ثغراً يصير نصرانياً بعد أن أسلم، أو بلداً يخرس فيه المنبر بعد أن تكلم، يا مولانا: هذه الليالي التي رابطت فيها والناس كارهون، وسهرت فيها والعيون هاجعة، وهذه الأيام التي ينادى فيها: ياخيل الله اركبي، وهذه الساعات التي تزرع الشيب في الرؤوس، هي نعمة الله عليك، وغراسك في الجنة: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) وهي مجوِّزاتك على الصراط، وهي مثقلات الميزان، وهي درجات الرضوان، فاشكر الله عليها كما تشكره على الفتوحات الجليلة، واعلم أن مثوبة الصبر فوق مثوبة الشكر.
من ربط جأش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه قوله: " لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت "، وبهذه العزائم سبقونا وتركونا لا نطمع في اللحاق بالغبار، وامتدت خطاهم ونعوذ بالله من العِثار، ما استعمل الله في القيام بالحق إلا خير الخلق، وقد عرف ما جرى في سير الأوّلين، وفي أنباء النبيين، وأن الله - تعالى- حرض نبيه صلى الله عليه وسلم على أن يهتدي بهداهم، ويسلك سبيلهم، ويقتدي بأولي العزم منهم.
وما ابتلى الله -سبحانه- من عباده إلا مَن يعلم أنه يصبر، وأمور الدنيا ينسخ بعضها بعضاً وكأن ما قد كان لم يكن، ويذهب التعب ويبقى الأجر، وإنما يقظات العين كالحلم، وأهم الوصايا أن لا يحمل المولى هماً يضعف به جسمه، ويضر مزاجه، والأمة بنيان وهو - أبقاه الله تعالى- قاعدته، والله يثبت تلك القاعدة القائمة في نصرة الحق.
ومما يستحسن من وصايا الفرس: " إن نزل بك ما فيه حيلة فلا تعجز، وإن نزل بك ما ليس لك فيه حيلة -والعياذ بالله- فلا تجزع "، ورب واقع في أمر لو اشتغل عن حمل الهم به بالتدبير فيه مع مقدور الله لا نصرف همه، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله. هذا سلطان هو بحول الله أوثق منه بسلطانه، قاتلت الملوك بطمعها وقاتل هذا بإيمانه، وإذا نظر الله إلى قلب مولانا فلم يجد فيه ثقة بغيره، ولا تعويلاً على قوة إلا على قوته فهنالك الفرج ميعاده، واللطف ميقاته، فلا يقنط من روح الله، ولا يقل متى نصر الله، وليصبر فإنما خلق للصبر، بل ليشكر فالشكر في موضع الصبر أعلى درجات الشكر، وليقل لمن ابتلى: أنت المعافي، وليرض عن الله -سبحانه- فإن الراضي عن الله هو المُسَلِّم الراضي ".وكتب السلطان إلى القاضي الفاضل كتاباً من بلاد الفرنج يخبره عما لاح له من أمارات النصر ويقول: ما أخاف إلا من ذنوبنا أن يأخذنا الله بها، فكتب إليه الفاضل: " فأما قول المولى: إننا نخاف أن نؤخذ بذنوبنا، فالذنوب كانت مثبتة قبل هذا المقام وفيه محيت، والآثام كانت مكتوبة ثم عُفِي عنها بهذه الساعات وعَفِيَتْ، فيكفي مستغفراً لسانُ السيف الأحمر في الجهاد، ويكفي قارعاً لأبواب الجنة صوتُ مقارعة الأضداد، ولعين الله موقفك، وفي سبيل الله مقامك ومنصرفك، وطوبى لقدم سعت في منهاجك، وطوبى لنفس بين يديك قتلت وقُتلت، وإن الخواطر تشكر الله فيك وعن شكرها لك قد شُغلت ".الله اكبر ما أجمل هذا الكلام وما أحسنه، وليت الأدباء كلهم يكتبون كما يكتب القاضي الفاضل، لكننا بلينا اليوم بأدباء الحداثة الذين يدور كلامهم على الكفر أو الضلال أو المِلال وعدم الفهم وتضييع الزمان بالترهات والأوهام. وقد ذكر ابن حجة القاضي الفاضل فقال: " كان نظم القاضي الفاضل -رحمه الله- ونثره كفرسي رهان، ولكن نثر أكثر مما نظم، وأجمع الناس أنه أتى مع الإكثار بالعجائب، وذكر قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان في تاريخه أن مسودات رسائله إذا جمعت ما تقصر عن مائة مجلد... ولعمري إن الإنشاء الذي صدر في الأيام الأموية والأيام العباسية نُسي وألُغي بإنشاء الفاضل وما اخترعه من النكت الأدبية والمعاني المخترعة والأنواع البديعة، والذي يؤيد قولي قول العماد الكاتب في " الخريدة " أنه في صناعة الإنشاء كالشريعة المحمدية نسخت الشرائع ".
9. ابن سناء الملك هبة الله بن جعفر بن محمد الشاعر المشهور، درس الحديث والنحو، وكان شاعراً بارعاً، توفي سنة 658، رحمه الله تعالى.
10. البوصيري صاحب البردة في مدح النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم الشاعر المشهور، وله شعر عجيب جليل، توفي سنة 695، رحمه الله تعالى.
11. شهاب الدين أحمد بن محي الدين بن فضل الله الأديب البليغ، الناظم، الناثر، صاحب " مسالك الأنظار في ممالك الأمصار " توفي سنة 749.
12. ابن نُباتة، محمد بن محمد بن محمد بن محمد الجذامي المصري المشهور صاحب الخطب البليغة المعروفة باسمه، وفاق أهل زمانه في النظم والنثر، توفي بالقاهرة سنة 768، رحمه الله تعالى.
13. شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي، الأديب المصري المشهور، وصاحب الحاشية على كتاب " الشفا في التعريف بحقوق المصطفى " للقاضي عياض، وله شعر رقيق، وقد ولي القضاء في مصر وفي الدولة العثمانية، وتوفي سنة 1069، رحمه الله تعالى.
هؤلاء هم بعض شعراء مصر وأدبائها وكتابها ولو أردت التوسع لأتيت بشيء مهول لكن حسبي ما ذكرت وفيه زاد وبلاغ، والله أعلم.
مختارات