قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
علاقة الزوجين أمتن علاقة على وجه الأرض:
أيها الأخوة الكرام، لازلنا في آيات الأمثال، والآية اليوم:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ *وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[سورة التحريم: 10-11]
أيها الأخوة، هاتان الآيتان توضحان حقيقة خطيرة جداً، أي أنه مهما تكن العلاقات في الدنيا وشيجة، وهل من علاقة أمتن من علاقة الزوجين؟ أي اندماج كامل، ما من علاقة اندماجية كاملة مستمرة بين إنسانين كعلاقة الزوجين، هذه العلاقة الحميمة، المتينة، الثابتة، المصيرية، لم تشفع لأحدهما إن كان كافراً، لذلك لعل النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الآية استنبط هذا الحديث الشريف: " يا فاطمة بنت محمد "، ما قال يا فاطمة، بنت محمد، وهل من علاقة أمتن من علاقة الأب بابنته؟
(يا عباس عم رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً)
[مسلم عن أبي هريرة]
(من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه)
[أحمد عن أبي هريرة]
(لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)
[أحمد عن أبي هريرة]
القضية أن أمتن علاقة على وجه الأرض علاقة الزوجين، اندماج كامل، أي الزوج يرى من امرأته ما لا يستطيع أبوها، ولا أخوها، ولا أقرب الناس إليها أن يروا منها، أليس كذلك؟ علاقة الزوجين أمتن علاقة، علاقة اندماج كامل:
(يا عباس عم رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً)
[مسلم عن أبي هريرة]
(من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه)
[أحمد عن أبي هريرة]
(لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)
[أحمد عن أبي هريرة]
علاقات الإيمان فوق أي علاقة على وجه الأرض:
لذلك عم النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾
[سورة المسد: 1-5]
هذا عم النبي عليه الصلاة والسلام، أما سلمان الفارسي فليس من العرب أصلاً، من فارس، أرأيتم إلى العلاقات، علاقة إيمان فقط، القرابة قرابة إيمان:
(نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)
[كنز العمال عن عمر]
صهيب رومي وسلمان فارسي، إذاً علاقات الإيمان فوق علاقات النسب، علاقة الإيمان فوق أي علاقة، وهذه العلاقات المتينة، الأساسية، الحميمة، المصيرية، لا تشفع لأحدنا عند الله ما لم يكن عمله طيباً، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، لكن النسب مع الإيمان تاج يتوج به الإنسان، إنسان مؤمن مستقيم له نسب من رجل صالح نقول: هذا النسب مع الإيمان تاج يتوج به صاحب النسب، مع الإيمان النسب له شأن في الإسلام، لذلك إلى أمد قريب عندنا في الشام كان نقيب الأشراف، الأشراف المنتسبون إلى رسول الله لهم نقيب، هؤلاء المنتسبون إلى الرسول الكريم لهم شأن خاص، لكن النسب لا يتحدث عنه أصلاً إذا لم يكن هناك إيمان، إذا لم يكن هناك إيمان تبت يدا أبي لهب وتب، عم النبي، هناك إيمان يأتي هذا النسب ليكون تاجاً يتوج به المؤمن.
على الإنسان ألا يتعلق بعلاقة نسبية حميمة قوية مصيرية ولم يكن كما ينبغي:
لذلك:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
[سورة التحريم: 10]
أقول لكم محذراً: إياكم ثم إياكم أن تتوهموا أن هذه الخيانة خيانة فراش، لا، هذا مستحيل بحق الأنبياء، لكن علماء التفسير قالوا: إنها خيانة دعوة، لا تتوهم،
﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
فخانتاهما الخيانة الزوجية مستحيلة هذه بإجماع العلماء، هذه خيانة دعوة، أي زوجها نبي كريم، معه دعوة من خالق السماوات والأرض، الزوجة لم تؤمن بهذه الدعوة،
﴿ فَخَانَتَاهُمَا ﴾
خيانة دعوة لا خيانة فراش، ومع أنها زوجته، ومع أنها أقرب الناس إليه، ومع أن العلاقة بين الزوجين حميمة، ولأن العلاقة بين الزوجين اندماجية، ومع كل ذلك فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً، ورد أن أبا سفيان شريف مكة، من وجهاء قريش، من أعلى درجات النسب، أي عربي قح، وجيه من وجهاء قريش، سيد من سادتها، وقف على باب سيدنا عمر ـ هكذا تروي بعض الروايات ـ وقتاً طويلاً ولم يسمح له، وصهيب وبلال يدخلان عليه بلا استئذان، فلما وصل إليه عاتبه، قال له: سيد قريش يقف ببابك وصهيب وبلال يدخلان ويخرجان من دون استئذان؟ فأجابه بكلمة واحدة، أنت مثلهما؟ يوم كنت تحارب النبي عليه الصلاة والسلام أين كان هؤلاء؟ كانوا في خدمته.
لذلك أيها الأخوة، هذه الآية خطورتها ألا تتعلق بعلاقة نسبية، حميمة، قوية، متينة، مصيرية، ولم تكن كما ينبغي.
الآية التالية قطعت كل أمل في أية علاقة حميمة يمكن أن تشفع للإنسان عند الله:
لذلك:
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
[سورة المؤمنون: 101]
في بعض الروايات أنه قد تقع عين الأم على ابنها، تقول له: يا بني، جعلت لك صدري سقاء، وبطني وعاء، وحضني وطاء، فهل من حسنة يعود عليّ خيرها؟ يقول لها ابنها: يا أمي، ليتني أستطيع ذلك إنما أشكو مما أنت منه تشكين، لذلك قال تعالى:
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾
[سورة المؤمنون: 101]
فهذا المثل لمن شرد عن الله، لمن عصى الله، لمن لم يعبأ بمنهج الله، قريب من عالم كبير، قريب من إنسان خطير، لك صلة متينة مع مؤمن، هذا لا يقدم ولا يؤخر، كأن هذه الآية قطعت كل أمل في أية علاقة حميمة يمكن أن تشفع لك عند الله.
خيانة امرأة نوح و امرأة لوط خيانة دعوة لا خيانة فراش:
أيها الأخوة، لذلك أنا أقول: لا تتحدث عن نسبك إطلاقاً، إذا كنت مؤمناً نقول لك: هذا النسب تاج تتوج به، إن كنت غير مؤمن فالنسب لا يقدم ولا يؤخر، والخيانة هنا خيانة دعوة لا خيانة فراش:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾
[سورة التحريم: 10]
وبالمقابل، إنسان مؤمن لو شاءت حكمة الله أن يكون على علاقة نسبية حميمة مع كافر، لا يتأثر بكفره إطلاقاً، وله الجنة.
استقلال المرأة في دينها عن زوجها:
وبالمقابل:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ﴾
[سورة التحريم: 11]
كانت زوجة أكبر جبابرة الأرض، لأن هذا الفرعون قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[سورة النازعات الآية: 24]
والذي قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
[سورة القصص الآية: 38]
وزوجته أقرب الناس إليه، تعيش معه في فراش واحد، ومع ذلك لها عند الله مكافأة، لا علاقة لهذه المكافأة بأنها زوجة فرعون أكفر كفار الأرض:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[سورة التحريم: 11]
أيها الأخوة الكرام، في هذه الآية استنباط خطير جداً أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
أية امرأة تقول: هكذا يريد زوجي، الذنب ذنبه أنا ليس لي علاقة، هذه الحجة مرفوضة، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أنا لا أتكلم من فراغ، أتكلم من أن عدداً كبيراً جداً من النساء المسلمات قد يرتكبن بعض الأخطاء الكبيرة بتعليل أن الزوج هذه إرادته، وبالتعبير الدارج إن شاء الله في رقبته، أنا لا علاقة لي، لا، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، مرة أخت كريمة اتصلت بي قالت لي: زوجي يجبرني على أن أسبح في البحر مع أصدقائه وإلا طلقني، قلت لها: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال: يطلقني، قلت لها: دعيه يطلقك، لكن لن يطلقك اطمئني، وفعلاً لم يطلقها، لكن عندما تخضع المرأة انتهت عند الله عز وجل، حتى الزوج عندما يخضع لزوجته انتهى عند الله عز وجل، صحابي جليل طلبت منه زوجته شيئاً من الدنيا لا يملك ثمنه، ماذا قال؟ قال: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك.
أيضاً الزوج ينبغي ألا يخضع، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك.
لا الزوجة ينبغي أن تنصاع لأمر ظالم من زوجها، يدفعها إلى المعصية، ولا الزوج ينبغي أن يخضع لزوجته، بأن تحمله على المعصية، والدليل الآية الثانية:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ﴾
[سورة التحريم: 11]
تحت أكفر كفار الأرض، ولم يستطع بجبروته، وقوته، أن يحملها على الكفر، أو على أن تؤمن به كإله:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
[سورة التحريم: 11]
العلاقات الحميمة لا تشفع للإنسان عند الله عز وجل:
ملخص الدرس: العلاقات الحميمة، العلاقة الاندماجية، أمتن العلاقات، لا تشفع لك عند الله، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأتكلم أنا لأن آلاف الشباب يرتكبون المعاصي بأمر من آبائهم، أنا أتكلم من واقع، وآلاف النساء ترتكبن المعاصي بأمر من أزواجهن، وآلاف الأزواج يرتكبون المعاصي بضغط من زوجاتهم، هاتان الآيتان تلغيان كل علاقة متينة، اندماجية، حميمة، على أنها حجة في قبول معصية الله عز وجل، والشاهد: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن تعليق سريع فإذا جاءك أمر من والديك، أو من أحدهما بمعصية، ينبغي ألا تفعلها، لكن بلا عنف، بلا قسوة، بلا علو:
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾
[سورة لقمان: 15]
ومع ذلك:
﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾
[سورة لقمان: 15]
والحمد لله رب العالمين
مختارات