قال تعالى: مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
حكمة الله في أن يكون الإنسان ضعيفاً:
أيها الأخوة الكرام، من الأمثلة التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
[سورة العنكبوت]
الحقيقة أيها الأخوة، أنه من مسلمات العقيدة أن الله واجب الوجود، لكن ما سوى الله ممكن الوجود، معنى ممكن: أي ممكن أن يوجد أو ألا يوجد أصلاً، ما سوى الله ممكن الوجود، وهناك معنى آخر: وإذا وجد يمكن أن يوجد على ما هو عليه الآن، أو على خلاف ما هو عليه، إذاً شاءت حكمة الله أن يكون الإنسان ضعيفاً، قال تعالى:
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
[سورة النساء]
ضعيف، ينهار لأي خبر سيئ، يضعف أمام الأمراض، أمام الفقر، أمام الأقوياء، في أصل خلقه نقطة ضعف أرادها الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بالغة، إن الإنسان خلق ضعيفاً، نقطة الضعف في أصل خلقه، لماذا؟ من حكم هذا الضعف أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر بضعفه إلى الله، فإذا افتقر بضعفه إلى الله سعد بافتقاره، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته عن الله فشقي باستغنائه، خُلقت ضعيفاً كي تفتقر إلى الله، وبهذا الافتقار إلى الله تكون أسعد الخلق، ولن تكون قوياً لأن القوي يستغني بقوته عن الله فيشقى باستغنائه.
التولي و التخلي:
لذلك الإنسان في أصل خلقه ضعيف، هكذا أراد الله، ولحكمة بالغة بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، إنسان قوي له مكانة، غني، عاقل، ترتعد فرائصه لتقرير صحي أن في بعض أنحاء جسمه ورماً خبيثاً،
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
لكن ما أرادنا أن نكون ضعفاء إلا لنفتقر إلى الله بهذا الضعف، فإذا افتقرنا إليه قوينا، لذلك الصحابة الكرام هم قمم البشر، وهم نخبة البشر، في بدر افتقروا إلى الله، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
[سورة آل عمران الآية:123]
أي مفتقرون إلى الله، هم هم ومعهم سيد البشر، معهم سيد الخلق وحبيب الحق في حنين اعتدوا بعددهم، فقالوا:
(لن نغلب اليوم من قلة)
[أخرجه البزار عن أنس بن مالك]
فقال تعالى:
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾
[سورة التوبة]
أي أنت أيها الإنسان بينما أن تقول: الله، فيتولاك، وبين أن تقول: أنا، فيتخلى عنك، أنت بين التولي والتخلي، وهذا الدرس تحتاجه، لا أقول كل يوم، ولا أقول كل ساعة، بل كل دقيقة، لمجرد أن تعزو قوتك إليك يتخلى الله عنك، ولمجرد أن تفتقر إليه يتولاك، هذا القانون إذا قلت: أنا يتخلى عنك، إذا قلت: الله يتولاك.
الكلمات المهلكات في القرآن الكريم:
لذلك قالوا: بعض الكلمات مهلكات: أنا، ونحن، ولي، وعندي، قال إبليس:
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
[سورة الأعراف]
فأهلكه الله، وقال قوم بلقيس:
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
[سورة النمل الآية:33]
فأهلكهم الله، وقال قارون:
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
[سورة الزخرف الآية:51]
وقال قارون:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
[سورة القصص الآية:78]
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾
[سورة القصص الآية:81]
وقال فرعون:
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
[سورة الزخرف الآية: 51]
فأهلكه الله.
الإنسان في أصل خلقه ضعيف ليفتقر إلى الله فيسعد في الدنيا و الآخرة:
أنت خلقت ضعيفاً كي تفتقر بضعفك، فإذا افتقرت بضعفك سعدت بافتقارك، ولو خلقت ضعيفاً دون أن تشعر لاستغنيت بقوتك وشقيت باستغنائك، هذه حقيقة أولى، فأنت ضعيف، والضعيف دائماً بحاجة إلى قوي يعتمد عليه، يحميه، يدافع عنه، يسأله، يستجير به، يستغيث به، يدعوه.
النقطة الدقيقة الآن: أنت في أصل خلقك ضعيف، لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، أراد الله أن تفتقر إليه، جُعلت ضعيفاً كي تفتقر إليه، وكي تسعد بافتقارك إليه، وكي تصبح قوياً بافتقارك إليه، وكي تصبح غنياً بافتقارك إليه، وما أرادك أن تكون قوياً فتستغني عنه فتشقى باستغنائك.
ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في الآية التالية:
لذلك الله عز وجل بيّن لنا في كتابه الكريم:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
لكن ومضة من ومضات الإعجاز العلمي في هذه الآية: الحقيقة خيط العنكبوت وقد لا تصدقون أمتن من الفولاذ بخمسة أضعاف، ذلك أن الأشياء إذا قاومت قوى الشد كانت متينة، فإذا قاومت قوى الضغط كانت قاسية، فالقسوة مقاومة قوى الضغط، والألماس أعلى عنصر في الأرض يقاوم قوى الضغط، بينما الفولاذ المضفور يعد أقوى عنصر في الأرض يقاوم قوى الشد، لذلك المصاعد تتحرك بأسلاك الفولاذ المضفور، التل فريك ينتقل عبر الفولاذ، عندنا مقاومة قوى الشد، مقاومة قوى الضغط، أمتن عنصر هو الفولاذ المضفور، وخيط العنكبوت يساوي خمسة أضعاف متانة الفولاذ، لكن بعض العلماء قالوا: الضعف في هذه الآية:
﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
هذا ضعف اجتماعي.
على المسلمين أن يبتعدوا عن الفتن الطائفية التي تفرقهم و تضعفهم:
تخيل قبل أن تنام أن ملياراً وخمسمئة مليون إنسان كلمتهم واحدة، ينطق باسمهم واحد، يتخذون قراراً واحداً، مجمعون على قرار واحد، يتحركون بسياسة واحدة، هم أقوى قوة في الأرض، المسلمون مليار وخمسمئة مليون، يتربعون على أفضل مناطق في الأرض، مناطق بالتعبير المعاصر استراتيجية، يملكون أكبر ثروات الأرض، لكنهم مع الأسف الشديد أفقر شعوب الأرض، لأن ضعفهم من تشتتهم، ولأن ضعفهم من اختلافهم، ولأن ضعفهم من خصوماتهم.
لذلك ماذا فعل فرعون وهو الطاغية الأول؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
[سورة القصص]
قوة فرعون بالفتن الطائفية، قوة فرعون أنه جعل قومه شيعاً وأحزاباً.
لذلك أيها الأخوة، الغرب وضعنا في سلة واحدة، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، ترون أن القوي في بلاده ليس هناك طرح طائفي إطلاقاً، إذا أتوا إلى بلادنا هذا عربي، هذا آشوري، هذا كردي، وهذا مسلم، وهذا سني، وهذا شيعي، يستخدمون ورقة الفتن الطائفية، كأربح ورقة بيدهم.
فلذلك:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾
اعتمد على غير الله، اعتمد على ماله، أو على صحته، أو على مكانته، أو على قراراه، أو على حكمته، هذا الذي يعتمد على جهة من دون الله لابد من أن يصاب بخيبة أمل، لذلك قالوا: من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى.
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد:
ومن الكلمات الجامعة المانعة: " لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه "، فأنت لمجرد أن تعتمد على جهة أرضية، وأن تضع كل ثقلك عليها، وأن تنسى ربك، أنت لجأت إلى أضعف ركن، وهذا الركن لن يحميك، ولن يسعدك، ولن يعطيك ما كنت تتمنى.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾
من اعتمد على ماله افتقر، من اعتمد على مكانته ذُلّ، لذلك عليك الاعتماد على الله، وأكبر درس بدر وحنين، الصحابة الكرام في بدر قالوا: الله فتولاهم، هم أنفسهم قالوا في حنين:
(لن نغلب اليوم من قلة)
فتخلى الله عنهم، والمؤمن يحتاج إلى هذا الدرس كل ساعة، يكفي أن تعتد بنفسك، أو أن تعتد بنسبك، أو أن بقوتك، أو أن تعتد بمالك، فيتخلى الله عنك، هذا درس بليغ ينبغي أن نحفظه جميعاً:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
وهن: ضعف، خيوط العنكبوت متينة جداً، لكن علاقة العنكبوت الذكر بالأنثى علاقة سيئة جداً، علاقة الأنثى بأولادها سيئة جداً، تأكل أولادها، وقد تعتدي الأنثى على الذكر، أي لا يوجد أية علاقة طيبة ضمن هذه الأسرة، إذاً هذا البيت ضعيف
﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
والبطولة: " لا يخافن العبد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه "، اعتقد يقيناً أن الشيء الوحيد المخيف في الأرض هو أن تقترف ذنباً يستحق عقاب الله عليه، والشيء الوحيد المنجي أن تكون موحداً، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
والحمد لله رب العالمين
مختارات