شرح الأسماء الحُسنَى (20) مفاتيـح الرّزق الحـلال 2
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد رأينا من مفاتيح الرّزق الحلال: تقوى الله ذي الجلال، والإكثار من دعائه في كلّ حال، والحرص على الذّكر والمناجاة، والثّبات على إقام الصّلاة، وإنّ من مفاتيح الرّزق:
5)صلة الأرحام:
فقدروى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:
(مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
6)طلب العلم، فقد قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: من الآية41]، قال ابن عبّاس رضيالله عنه: " تنقص خيرات الأرض بموت علمائها ".
ويؤيّد ما قاله رضي الله عنه: ما رواه التّرمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ:
كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ).
وروى التّرمذي وأبو داود والنّسائي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ) زاد النّسائي في رواية سعد رضي الله عنه: (بِدَعْوَتِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَإِخْلَاصِهِمْ).
7)الحجّ والعمرة: فقد روى التّرمذي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَوَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ).
8)الجهاد في سبيل الله: ففي مسند الإمام أحمد بسند صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللهعليه وسلّم:
(بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَبِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
وقال الله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:28].
9) ومن أبواب الرّزق ما يسخّره الله لك على يد إخوانك:
فقد روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ، فَلْيَقْبَلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُعَزَّ وَجَلَّإِلَيْهِ).
وروى الإمام مالك عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِعَطَاءٍ، فَرَدَّهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (لِمَ رَدَدْتَهُ؟)
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَيْسَ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ خَيْرًا لِأَحَدِنَا أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(إِنَّمَا ذَلِكَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ اللَّهُ). فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَأْتِينِي شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِلَّا أَخَذْتُهُ[1].
ومن آثار معرفة اسمي (الرزّاق، والرّازق):
-الثّمرة الخامسة:أن لا يسأل العبد إلاّ ربّه.
ولا يسأل النّاس شيئا، فقد روى التّرمذي وغيره عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمًا، فَقَالَ:
(يَا غُلَامُ ! إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَااسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْيَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).
والأحاديث كثيرة في ذمّ المسألة، ومن أوقعها على القلب ما رواه أبو داود والترمذي عن ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنّ النَّبِيَّ صلّى اللهعليه وسلّم قَالَ:
(مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ).
وما رواه الشّيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ).
6- الثّمرة السّادسة: لا شكّ انّ معرفة هذين الاسمين الكريمين (الرزّاق والرّازق) تدلّك على اسم آخر من أسمائه عزّ وجلّ، ألا وهو: الوهّاب.
وهذا ما سوف نتطرّق إليه لاحقا إن شاء الله.
مختارات