الآفة الثالثة - الاستعجال
والآفة الثالثة التي يصاب بها بعض العاملين ولابد أن يحذروها وأن يتخلصوا منها إنما هي(الاستعجال) ولكي يكون لدنيا التصور الدقيق عن هذه الآفة سنتناولها على النحو التالي: أولاً: معنى الاستعجال: لغة: الاستعجال والإعجال كلها بمعنى واحد وهو: الاستحثاث وطلب العجلة أي السرعة أو استعجل الرجل الرجل حثه، وأمره أن يعجل في الأمر ومنه قوله تعالى { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم }. أي لو عجل الله للناس الشر إذا دعوا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الخير والرحمة لقضى إليهم أجلهم فماتوا). اصطلاحا: ومعناه في اصطلاح الدعاة إرادة تغيير الواقع الذي يحياه المسلمون اليوم في لمحة أو في أقل من طرفة عين دون نظر في العواقب ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع، ودون إعداد جيد للمقدمات أو للأساليب و الوسائل. بحيث يغمض الناس عيونهم ثم يفتحونها أو ينامون ليلة ثم يستيقظون فإذا بهم يرون كل شئ عاد إلى وضعه الطبيعي في حياتهم: زالت الجاهلية من طريقهم، ورفعت الراية الإسلامية من جديد، ووجد كل إنسان إنسانيته، وخلصت الفطرة من كل ما يكدرها ويعكر صفوها. ثانياً: نظرة الإسلام إلى الاستعجال: ولما كانت العجلة والاستعجال من طبيعة الإنسان بشهادة خالقه وصانعه، ومدبر أمره{ ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً }، { خلق الإنسان من عجل... } فإن الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرة عدالة وإنصاف، فلا يحمده بالمرة، ولا يذمه بالمرة، وإنما يحمد بعضه، ويذم البعض الآخر: فالمحمود منه: ما كان ناشئاً عن تقدير دقيق للآثار و العواقب، وعن إدراك تام للظروف و الملابسات، وعن حسن إعداد وجودة ترتيب. ولعل هذا النوع من الاستعجال هو المعنى في قوله تعالى حكاية عن موسى - عليه السلام - { وما أعجلك عن قومك يا موسى؟ قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك رب لترضى } إذ الظروف مناسبة و الفرصة مواتية و العاقبة محمودة و النفس صافية مشرقة فما الذي يحمل موسى على التواني والتأخير؟. المذموم منه: ما كان مجرد ثورة نفسية خالية من تقدير العاقبة ومن الإحاطة بالظروف و الملابسات، ومن أخذ الأهبة والاستعداد. وهذا النوع الأخير هو الذي عناه رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قال لخباب بن الأرت - رضى الله تعالى عنه- وقد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو ما يلقاه هو وإخوانه من الأذى والاضطهاد، ويطلب منه أن يستنصر ربه، وأن يدعوه قال له: (كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) وهو الذي نعنيه هنا أيضاً. ثالثاً: مظاهر الاستعجال: والاستعجال له مظاهر عديدة منها: 1- ضم أشخاص إلى قافلة الدعاة قبل الاستيثاق، و التأكد من مواهبهم وقدراتهم واستعداداتهم. 2- الارتقاء ببعض الدعاة إلى مستوى رفيع قبل اكتمال نضجهم واستواء شخصيتهم. 3- القيام بتصرفات طائشة صغيرة تضر بالدعوة ولا تفيدها. رابعاً: آثار الاستعجال وكل هذه المظاهر المذكورة آنفاً، وغيرها تكون لها آثار، وعواقب 1- فهي قد تؤدى إلى الفتور على النحو الذي شرحنا في الآفة الأولي، وقليل دائم خير من كثير منقطع: (.... وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ). 2- وقد تؤدى إلى موتة غير كريمة، وذلك حين لا يكون من ورائها عائد أو ثمرة، وهنالك تكون المسئولية و المعاتبة بين يدي الجبار الأعلى، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً، والأمر يومئذٍ لله و القصة التالية برهان عملي لما نقول: (كانت الحركة الإسلامية بمصر في نهاية الثلاثينات تعيش أزهي أيامها فها هي: تشق طريقها بين جميع البيئات، والأوساط كما تشق السفينة البحر الهادئ و الريح رخاء وها هو صوتها مسموعاً في جميع القضايا سواء على المستوى المحلى أو على المستوى العالمي، في هذه الأثناء وقف أحد أبنائها هو: (أحمد رفعت) يعترض على كل ما تتخذه الحركة من أساليب ويدعو إلى أساليب أخرى. ولم يكن في هذا ما يلفت النظر ابتداء، فلكل عضو في الحركة الحق في نقد ما يرى أنه يستحق النقد، ثم تكون مناقشة بين الأطراف تنتهي إلى الأصوب و الطريق الأقوم بيد أن الذي استرعى الانتباه، ولفت النظر هو أن هذه الدعوة لقيت آذاناً صاغية واستجابة سريعة لدى كثير من شباب الحركة، ولا نريد أن نخوض الآن في البحث عن أسباب ذلك، وإنما الذي يعنينا هو أنه عقد لقاء لمعرفة اعتراضات، ومطالب أحمد رفعت وانحصرت في ثلاثة: الأول: أنه يرى أن الحركة تجامل الحكومة وتتبع سياسة اللف و الدوران، و الواجب يقتضي مواجهة الحكومة بالحقيقة التي قررها القرآن الكريم:{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }. الثاني: أنه يرى أن الحركة لم تتخذ أي إجراء عملي في موضوع سفور المرأة وتبرجها، مكتفية بالنصيحة و الكلام، و الواجب يقتضي أن توزع الحركة نفسها في شوارع القاهرة ومع كل واحد من أبنائها زجاجة حبر، وكلما مرت أمامه فتاة أو امرأة متبرجة، ألقى عليها من هذا الحبر، حتى يلطخ ملابسها، فيكون هذا رادعاًً لها. الثالث: أنه يرى أن وقوف الحركة في مساعدة مجاهدي فلسطين عند حد الدعاية لهم وجمع المال إنما هو تقصير في حق هذه القضية، وقعود عن الجهاد، وتخلف عن المعركة، وعلى جميع أبناء الحركة أن يتركوا أعمالهم ويتطوعوا في صفوفهم وإلا كانوا من المخالفين. وتصدى بعض الحاضرين للرد على (أحمد) بشأن المطلبين الأولين فقال: - إن مواجهة الحكومة يجب ألا يكون إلا بعد توفر عاملين: أ- توعية الشعب بالحقائق الإسلامية التي لا زال حتى اليوم خالي الذهن منها لا سيما علاقة الإسلام بالحكم وعلاقة الإسلام بالتشريع. ب- اكتساب الحركة قوة شعبية تستند إلى مواجهة أي ظروف تتعرض لها ولا زالت الحركة حتى اليوم حركة وليدة في حاجة إلى تثبيت دعائمها وبسط لرواقها. - أما موضوع المرأة فكان ردهم عليه هو أننا لو أخذنا باقتراح (أحمد) لكانت النتيجة في اليوم الأول للأخذ بهذا الأسلوب أن يلقى القبض على جميع أبناء الحركة، ويجرى معهم التحقيق، ويودعوا السجون حتى يحاكموا أمام القضاء الذي يقضى بالسجن و الغرامة، وإذا قضوا العقوبة وعادوا إلى نفس الأسلوب، فإن العقوبة تضاعف، وما دامت التي لطخت ثيابها ستعوض ثمن هذا الثياب مضاعفاً من جيوب أبناء الحركة، ثم ترى الذي لطخ ثيابها قد أودع السجن، فما الذي يمنعها من لبس ما كانت تلبسه، وإذن فلا جدوى من وراء هذا الأسلوب في ردع المتبرجات السافرات. - وأما موضوع فلسطين، فقد أجاب عنه كتاب سماحة مفتى فلسطين السيد أمين الحسيني ردّ به على الحركة الإسلامية في مصر، ومضمونه: " أن المجهود الذي تبذله الحركة في الدعاية لقضية فلسطين في مصر هو القدر المطلوب و الذي نحن في أمس الحاجة إليه، ولا يستطيعه غيرها، ولسنا في حاجة إلى متطوعين ". ورغم وضوح الجواب فقد أصرَّ (أحمد) على موقفه، وزاد عدد مؤيديه، ووصلت بهم الحال إلى أن صاروا يسبون في الحركة الإسلامية و القائمين عليها دونما حياء أو خجل، ولما قاطعه أبناء الحركة، وانفض من كانوا حوله ورأي في نفسه عزلة تامة قرر السفر إلى فلسطين لينضم إلى المجاهدين في محاربة الإنجليز و اليهود. وهنا أشفقت عليه الحركة وأرسلت له تطلب منه الحضور لتجهزه بالمال و السلاح ثم تسلمه إلى مجموعة من المجاهدين الفلسطينيين الذين كانوا يتصلون بهم حتى يؤمنوا له الطريق، لأن المجاهدين يشكون في كل من يرونه في طريقهم - ما داموا لا يعرفونه - ويعدونه جاسوساً عليهم ويقتلونه، فرفض وأصر على الذهاب وحده، وذهب فعلاً ولقي مصرعه كما كانت الحركة تتوقع - على أيدي المجاهدين). إن هذه القصة تبين لنا عاقبة الحماس مع السطحية في فهم كتاب الله،وتاريخ الدعوة الإسلامية، واقع الحياة، إن عاقبة ذلك إنما هي الاستعجال وآثار الاستعجال قد تكون موتاً غير كريم، كما وقع لأحمد رفعت. فإنه لم يكن له - قبل الانضمام إلى الحركة - أدنى معرفة بالإسلام ولا بالقرآن ولا بالسيرة ولا بالتاريخ الإسلامي، وحين اقتنع بالفكرة الإسلامية انقض عليها بحماس بالغ، وقبل أن يتزود بكل معالم الطريق اندفع اندفاعاً غير بصير، فاصطدم وتحطم، وكاد يحطم الحركة معه لولا العناية الإلهية ثم حكمة القائمين عليها وإخلاصهم. 3- تعطيل العمل، أو على الأقل الرجوع به إلى الوراء عشرات السنين وذلك فيه ما فيه من استمرار تدنيس الحياة و المضي في الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض وزيادة وضع الأحجار و العقبات على الطريق. خامساً أسباب الاستعجال: وإذا كانت هذه آثار الاستعجال، فلابد من معرفة الأسباب التي تؤدى إليه لتكون خطوة على طريق العلاج، فما هي إذن الأسباب التي توقع في الاستعجال؟ حقيقة هنالك أسباب كثيرة توقع في الاستعجال نخص منها: 1- الدافع النفسي: فقد يكون الدافع النفسي هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الاستعجال طبيعة مركوزة في فطرة الإنسان كما قال المولى تبارك وتعالى:{ خلق الإنسان من عجل... }، { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً }، { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم.... } وإذا لم يعمل الداعية على ضبط نفسه وإلجامها بلجام العقل و التخفيف من غلوائها فإنها تدفعه لا محالة إلى الاستعجال. 2- الحماسة أو الحرارة الإيمانية: وقد يكون الحماس أو الحرارة الإيمانية هي السبب في الاستعجال، ذلك أن الإيمان إذا قوى، وتمكن من النفس، ولَّد طاقة ضخمة، تندفع - ما لم يتم السيطرة عليها وتوجيهها - إلى أعمال تؤذى أكثر مما تفيد وتضر أكثر مما تنفع. ولعل هذا هو السر في أن الله سبحانه وتعالى تولى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم و المؤمنين في المرحلة المكية إلى الصبر و الجلد، وقوة التحمل فقال { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً }، { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون }، { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً }... إلى غير ذلك من الآيات. 3- طبيعة العصر: وقد تكون طبيعة العصر هي الباعث على الاستعجال، ذلك أننا نعيش في عصر يمض بسرعة ويتحرك فيه كل شئ بسرعة، فالإنسان يكون هنا وبعد ساعات يكون في أقصى أطراف الأرض، بسبب التقدم في وسائل المواصلات، والإنسان يضع أساس بيت اليوم ويسكنه غداً بسبب التمكن من وسائل العمارة الحديثة، وقس على ذلك أشياء كثيرة في حياة الإنسان، فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال لمواكبة ظروف العصر و التمشي معه. 4- واقع الأعداء: وقد يكون واقع الأعداء هو السبب في الاستعجال، ذلك أنه ما يمر من يوم الآن إلا وأعداء الله يحكمون القبضة ويمسكون بزمام العالم الإسلامي، ويلاحقون العمل الإسلامي في كل مكان لإسكات كل صوت حر نزيه، وحسبنا أن إسرائيل كانت بالأمس فكرة في الأذهان فإذا بها اليوم واقع يحكم القبضة على جزء غال عزيز من ديار الإسلام هو فلسطين، وينطلق منه إلى لبنان، وسائر بلدان العالم العربي ليحقق حلم اليهود: (إسرائيل من النيل إلى الفرات) فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال، قبل أن يتفاقم الخطر ويصعب الخلاص. 5- الجهل بأساليب الأعداء: وقد يكون الجهل بأساليب الأعداء هو السبب في الاستعجال، ذلك أن أعداء الله لهم أساليبهم الخبيثة، و المتنوعة في الوصول إلى قلب العالم الإسلامي، وإحكام القبضة عليه، وأخطر هذه الوسائل وأشدها دهاء ومكراً أن يواجه المسلمين نفر من بينهم يعلنون الإسلام ويبطنون الكفر، و الحقد و الضلال، إن مثل هذا الأسلوب من الكيد يحول دون التعبئة العامة في الأمة، وما أكثر هؤلاء، لمواجهة الشر أو الباطل وإزاحته من الطريق، بل إنه ليجعل العامة معهم وفي صفهم ولقد لجأ أعداء الله لمثل هذا الأسلوب، بعد أن جربوا زماناً طويلاً، ومرات عديدة، أسلوب المواجهة الصريحة السافرة، ورأوا أنه لن يغنى عنهم من الله شيئاً، وأنه يحمل المسلمين حتى المفرطين و المستهترين منهم على التصدي وبذل الغالي و الرخيص، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. فلعل الجهل بمثل هذا الأسلوب وغيره من الكيد يكون سبباً من الأسباب التي توقع في الاستعجال. 6- شيوع المنكرات مع الجهل بأسلوب تغييرها: قد يكون شيوع المنكرات مع الجهل بأسلوب تغييرها هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الإنسان لا يتحرك حركة الآن إلا وقد أحاطت به المنكرات، ولفته من كل جانب، وواجب المسلم حين يرى ذلك أن يعمل على تغيير المنكر وإزالته ما في ذلك شك، لئلا تتحول الأرض إلى بؤرة من الشر و الفساد، قال تعالى:{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض... }، { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز }. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (مثل القائم على حدود الله و الواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) بيد أنه ليس كل منكر تجب إزالته أو تغييره على الفور، وإنما ذلك مشروط بألا يؤدى إلى منكر أكبر منه فإن أدى إلى منكر أكبر منه وجب التوقف بشأنه، مع الكراهة القلبية له، ومع مقاطعته، ومع البحث عن أنجح الوسائل لإزالته، والأخذ بها، ومع العزم الصادق على الوقوف في أول الصف حين تتاح فرصة التغيير. وفي السنة و السيرة شواهد على ذلك: فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث والأصنام تملأ جوف الكعبة، وتحيط بها وتعلوها من كل جانب، ثم لا يقبل على إزالتها بالفعل إلا يوم فتح مكة في العام الثامن من الهجرة، أي أنها بقيت منذ بعث إلى يوم تحطيمها إحدى وعشرين سنة. ليقينه صلى الله عليه وسلم بأنه لو قام بتحطيمها من أول يوم، قبل أن يحطمها من داخل النفوس لأقبلوا على تشييدها وزخرفتها بصورة أبشع، وأشنع فيعظم الإثم، ويتفاقم الضرر، لذلك تركها، وأقبل يُعِد الرجال، ويزكى النفوس، ويطهر القلوب حتى إذا تم له ذلك أقبل بهم يفتح مكة، ويزيل الأصنام مردداً:{ وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً }. وها هو - صلى الله عليه وسلم يخاطب أم المؤمنين عائشة قائلاً: (ألم ترى أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟، قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هنا توقف في شأن تجديد الكعبة، وإعادتها إلى قواعد إبراهيم خوفاً من أن يؤدى ذلك إلى منكر أكبر، وهو الفرقة و الشقاق، بدليل قوله في رواية أخرى: (.... ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم...) بل إن المسلم حين يسكت عن منكر خوفاً من أن يؤدى إلى منكر أكبر، مع الرفض القلبي و المقاطعة ومع البحث عن الأفضل السبل للتغيير، ومع العزم الصادق على أنه حين تتاح الفرصة لن يكون هناك توان ولا تباطؤ، لا يكون آثماً بذلك وصدق الله الذي يقول: { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها... }، { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا، وأنفقوا خيراً لأنفسكم }. فإذا نسى العامل أو الداعية فقه أسلوب تغيير المنكر وإزالته وقع - لا محالة - في الاستعجال لظنه، أو لتصوره أن الأمر يجب تنفيذه فوراً، وأنه آثم ومذنب إن لم يقم بذلك. 7- العجز عن تحمل المشاق، ومتاعب الطريق: وقد يكون العجز عن تحمل المشاق ومتاعب الطريق هو السبب في الاستعجال، ذلك أن بعضاً من العاملين يملك جرأة وشجاعة وحماساً لعمل وقتي، ولو أدى به إلى الموت، لكنه لا يملك القدرة على تحمل مشاقّ ومتاعب الطريق لزمن طويل، مع أن الرجولة الحقة هي التي يكون معها صبر، وجلد، وتحمل، ومثابرة، وجد، واجتهاد حتى تنتهي الحياة. لذلك تراه دائماً مستعجلاً ليجنب نفسه المشاق و المتاعب، وإن تزرَّع بغير ذلك. وقد أفرزت الحركة الإسلامية في العصر الحاضر صنفاً من هذا، عجز عن التحمل والاستمرار فاستعجل وانتهي، وصنفاً آخر أوذي في الله عشرات السنين فصبر، وتحمل واحتسب لأن الظروف غير ملائمة، و الفرص غير مواتية، و العواقب غير محمودة و المقدمات ناقصة أو قاصرة، وكانت العاقبة أن وفقهم الله وأعانهم فثبتت أقدام على الطريق ولا تزال. 8- الظفر ببعض المقدمات، أو ببعض الوسائل مع عدم تقدير العواقب: وقد يكون الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مثل العدد البشرى، ومثل الأدوات مع عدم تقدير العواقب، من زيادة تسلط أعداء الله ومن حدوث فتنة وردة فعل، لدى جماهير الناس قد يكون كل ذلك هو السبب في الاستعجال. ولعل هذا هو السر في أمر الإسلام بالصبر على جور الأئمة، ما لم يصل الأمر إلى الكفر الصريح و الخروج السافر عن الإسلام. يقول - صلى الله عليه وسلم -: (من رأي من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية) ويقول عبادة بن الصامت - رضى الله تعالى عنه -دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: (أن بايعنا على السمع و الطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان). بل حتى الكفر البواح لا يكون معه خروج إلا إذا أمنت الفتنة، وتوفرت القدرات والإمكانات وهذا لا يمنع أن ننكر عليهم باللسان وبالقلب. يقول الإمام النووي - رحمه الله - في شرح حديث عبادة: " معنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين). ونقل ابن التين عن الداودى قال: (الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر). 9-عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات، ويخفف من حدتها وغلوائها: وقد يكون عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات ويخفف من حدتها وغلوائها هو السبب في الاستعجال، ذلك أن نفس الإنسان التي بين جنبيه إن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل. ولعل ذلك هو السر في أن الإسلام غمر المسلم ببرنامج عمل في اليوم و الليلة، وفي الأسبوع وفي الشهر و في السنة وفي العمر كله بحيث إذا حافظ عليه كانت خطوته دقيقة وكانت جهوده مثمرة. ولعله السر أيضاً في تشديد الإسلام على الأئمة أن يستفرغوا كل ما في وسعهم وكل ما في طاقتهم لاستنباط ما يملأ حياة المسلمين بالعمل الجاد المثمر الخالي من الضر و الشرر وإلا حرموا الجنة. يقول - صلى الله عليه وسلم - “ ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة " 10- العمل بعيداً عن ذوى الخبرة و التجربة: وقد يكون العمل بعيداً عن ذوى الخبرة و التجربة هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الإنسان يولد ولا علم له بشيء في هذه الحياة كما قال سبحانه: { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً.... } ثم يبدأ - عن طريق ما وهبه الله من السمع والأبصار والأفئدة - التعلم، و التعلم لا يكون من الكتب وحدها، بل يتم أيضاً بواسطة التجربة، و الممارسة، و العامل الواعي هو الذي ينتفع بخيرات وتجارب من سبقوه على الطريق ليوفر على نفسه الجهد، و الوقت و التكاليف، أما إذا شمخ بأنفه ونأي بنفسه وبدأ العمل بعيداً عن ذوى الخبرة و التجربة فستكون له أخطاء، وقد يكون الاستعجال واحداً منها. ولعل السر في وصية الإسلام باحترام العلماء وكبار السن الصالحين وذوى الفضل حيث يقول - صلى الله عليه وسلم -: " يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً ولا يؤمَّن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " 11- الغفلة عن سنن الله في الكون وفي النفس وفي التشريع: وقد تكون الغفلة عن سنن الله في الكون وفي النفس وفي التشريع هي السبب في الاستعجال، ذلك: أن من سنن الله في الكون: خلق السموات والأرض في ستة أيام، وخلق الإنسان و الحيوان و النبات على مراحل مع أنه قادر على خلق كل ذلك وغيره بكلمة " كن " { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }. ومن سنن الله في النفس: أنها لا تضحي ولا تبذل ولا تعطى إلا إذا عولجت من داخلها، واقتلعت منها كل الحظوظ، وأدركت قيمة وفائدة التضحية و البذل و العطاء { قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها } وذلك لا يتم بسهولة ويسر، وإنما لابد له من جهد ووقت وتكاليف. ومن سنن الله في التشريع: أن الخمر حرمت على مراحل وكذلك الربا، وإذا نسى العامل أو الداعية هذه السنن كانت السرعة و العجلة، أما حين تظل ماثلة أمام عينيه، حاضرة في ذهنه وفؤاده، فإنها تهدئ من نفسه، وتضبط حركته، وتبصره بموضع قدميه. 12- نسيان الغاية التي يسعى إليها المسلم: وقد يكون نسيان الغاية التي يسعى إليها المسلم هي السبب في الاستعجال، ذلك أن المسلم يسعى أساساً لتحقيق مرضات الله، وهذا إنما يتحقق بالتزام منهجه، وعدم التفريط فيه، و الثبات على عليه إلى يوم اللقاء قدر الطاقة مع الإخلاص { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }، { فاتقوا الله ما استطعتم... } وتلك مقدمات يسأل عنها المسلم بين يدي الله يوم القيامة وعليها تكون النجاة أو عدم النجاة أما النتائج من التمكين أو عدم التمكين فلا يسأل عنها، لأنها بيد الله يأتي بها حيث يشاء وكما يشاء. فإن حدث ونسى العامل أو الداعية هذه الحقيقة فإنه يقع لا محالة في الاستعجال. 13- الغفلة عن سنة الله مع العصاة و المكذبين: وقد تكون الغفلة عن سنة الله مع العصاة و المكذبين هي السبب في الاستعجال. ذلك أن من سنة الله مع العصاة و المكذبين، الإمهال، وعدم الاستعجال { وأملي لهم إن كيدي متين }، { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب، بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً }. ومن سننه كذلك معهم: أنه إذا أخذهم لم يفلتهم { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة * إن أخذه أليم شديد }، { ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون }. ومن سنته أيضاً: أن أيامه ليست كأيامنا هذه {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون }. وإذا غفل العامل أو الداعية عن هذه السنن استعجل قائلاً: نناجزهم قبل أن يستفحل شأنهم، وقبل أن يمسكوا بزمام الأمور، فتستحيل إزاحتهم بعد ذلك من طريق الناس. 14- صحبة نفر من ذوى العجلة وعدم التأني: وقد تكون صحبة نفر من ذوى العجلة وعدم التأني هي السبب في الاستعجال، ذلك أن الطبع يعدى، و المرء على دين خليله، وإذا لم يحسن المسلم اختيار صاحبه، فإنه يقتدي به لا محالة في ما يعتنق وفي كل ما يسلك - سيما إذا كان هذا الصاحب قوى الشخصية - وقد يكون من بين ذلك الاستعجال، ولعل هذا هو سر تأكيد الإسلام على ضرورة مراعاة الدقة والأمانة في اختيار الصديق و الصاحب، وقد قدمنا طرفاً من الأحاديث الدالة على ذلك أثناء الحديث عن " الفتور ". تلك هي الأسباب التي توقع في الاستعجال. سادساً: طريق علاج الاستعجال: وما دمنا قد وقفنا على أهم الأسباب التي تؤدى إلى الاستعجال، فإنه صار من السهل علينا أن ندرك طريق العلاج وتتلخص في: 1- إمعان النظر في الآثار و العواقب المترتبة على الاستعجال، فإن ذلك مما يهدئ النفس ويحمل على التريث و التأني. 2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل، فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس، وفي التشريع ومع العصاة و المكذبين و البصيرة بهذه السنن تهدئ النفس وتساعد على التأني و التروي، قال الله تعالى:{... سأريكم آياتي فلا تستعجلون }، { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين }، { إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم }. 3- دوام المطالعة في السنة و السيرة النبوية، فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار ما لاقى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشدائد و المحن، وكيف أنه تحمل، وصبر ولم يستعجل، حتى كانت العاقبة له، وللمنهج الذي جاء به. ومعلوم أن الوقوف على ذلك مما يضبط حركة المسلم، إقتداء وتأسياً به - صلى الله عليه وسلم -{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيراً } 4- مطالعة كتب التراجم و التاريخ، فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب الدعوات و السلف في مجابهة الباطل، وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى مكن لهم، وهذا بدوره يحمل على الإقتداء و التأسي، أو على الأقل المحاكاة و المشابهة على حد قول القائل: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح وقد مرت بنا قصة عمر بن عبد العزيز مع ولده في هذا الشأن، ونحن نتحدث عن علاج " الفتور " 5- العمل في أحضان وفي ظل ذوى الخبرة والتجربة ممن سبقوا علي الطريق فإن ذلك من شأنه أن يجعل خطوات العاملين دقيقة محسوبة وأن يوفر عليهم الكثير من الجهد والوقت وباقي التكاليف: وقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم - النظر إلى ذلك حين قال: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) 6- العمل من خلال منهاج و برنامج واضح الأركان محدد المعالم يستوعب الحياة كلها ويأخذ بيد العامل من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة فيشبع تطلعاته ويجيب على تساؤلاته ويرفع من مستواه. 7- الفهم الدقيق لأساليب ومخططات الأعداء فإن ذلك من شأنه أن يحمل العامل على النظر في عواقب الأمور وعلى التريث والتأني والتصرف بحكمة وعلى بينة. 8- عدم الرهبة أو الخوف من تسلط الأعداء وإحكامهم القبضة على العالم الإسلامي لأن ذلك يمكن أن يزول في لحظات وما هو على لله بعزيز: { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد }. { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم }. { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون }. بيد أن هذا الشرط بأن تقيم الإسلام في أنفسنا وفيمن حولنا بكل ما نملك وبكل ما نستطيع: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا }. 9- مجاهدة النفس وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي فإنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله والرجولة لا تكون إلا بذلك. 10- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم فإن ذلك يحول دون الاستعجال ويحمل على إتقان المقدمات والوقوف عندها وعدم تجاوزها إلى النتائج. 11-الانتباه إلى موقف المسلم من المنكرات وأسلوب تغييرها فإن ذلك يبصره بمعالم الطريق ويحول بينه وبين الاستعجال. تلك خطوات لابد منها على الطريق العلاج. سابعا: الاستعجال ومنهج الحركة الإسلامية المعاصرة: وجدير بالذكر أن نشير إلى أن الاستعجال على النحو الذي ذكرنا غير وارد في منهج الحركة الإسلامية المعاصرة بالمرة بل أنه مرفوض صراحة والنص التالي - وهو جزء من منهج هذه الحركة يصدق ذلك: (أيها المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل اقتناع بأنها أسلم طريق للوصول. أجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة وإما الشهادة والسعادة. أيها المسلمون: ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تميلوا كل ميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض وتراقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد. أيها المسلمون: إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه ذلك مكفول لكم مادمتم مخلصين ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ونحن بعد ذلك: إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين وإما مصيبون فلنا مع ذلك ضعف أجر الفائزين المصيبين على أن التجارب في الماضي والحاضر أثبتت أنه لا خير إلا في طريقكم ولا إنتاج إلا مع خطتكم ولا صواب إلا فيما تعلمون فلا تغامروا بجهودكم ولا تقامروا بشعار نجاحكم واعملوا والله معكم ولن يتركم أعمالك والفوز للعاملين -{ وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم }. ثامنا: الداعية بين الفتور والاستعجال: ويظهر من حديثنا عن الفتور والاستعجال: تحديد موقع الداعية إن موقعه يجب أن يكون وسطا بين الفتور والاستعجال عل معنى أنه مع المقدمات كخلية النحل دائب النشاط والحركة لا يقصر ولا يتوانى لحظة من ليل أو من نهار ولا يضيع فرصة تتاح له أما أوانه مع النتائج فهو هادئ متريث متأن غير متهور لا يستعجل شيئا قبل أوانه وإلا عوقب بحرمانه. هذا ولم يفت الحركة الإسلامية المعاصرة أن تحدد هذا الموقع وتلك كلماتها أحرف من نور ومشاعل على الطريق: (إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ. يسهل على كثيرين أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوال باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق و العمل المضني، وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله، وفي قصة طالوت بيان لما أقول، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوى البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها..... ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل وعند ذلك يكون عون الله وتأييده، ونصره).
مختارات