فَمَاذا عَن أَصْحَابِه وأتبَاعِه ؟
إنَّ حَديث القوم عَظِيم!
فَوَالله مَا نَظَرتُ إلى حَيَاةِ وَاحِدٍ مِنهم -رضي الله عنهم - إلَّا وَرَأيتُ الدُّنيا أَهْونُ شَيء عِنده..!
يَبِيع وَيَشْتَري وقلبُه سَاجِد في مِحْرَابِ الضّلوع لَا يقوم مِن سَجْدَتِه إلى يَومِ القَيَامَة..!
ويُجَالِسُ زَوجتُه وَقَلبُه مِرجل يَتَنَزَّى شَوقًا إلى سَاعَةِ الأسْحَار..!
فَإِذَا أَسْدَلَ الليل سِتْرَه عليه، قَامَ الجَسَد الرَّقيق الخَاشِع في عُتْمَةِ الليل وَقَدْ سَقَطَت عَنْهُ نَفْسُه، وَلَم يَبْقَ إلَّا خَفْقَة الحُبِّ تَتَردَّد في جَنَبَاتِ القَلب!
يَقُوم البَطل الشَّهيد عُمير بن الحمام في يومِ الفُرقان، وَقَد سَمِعَ المَحْبُوب يُشوِّقَهم إلى دِيَارِ الكَرَامَة: " قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُها السَمَواتِ والأَرْض! فيقول المُحِب: (بخٍ بخٍ)..!
فيسْأل السّيد الجَليل ﷺ عميرًا - رضي الله عنه - وَقَد رَأى شَارَة الحُبّ في جَبين عُمير فيقول: " وما الذي حَمَلك عَلى قَولكِ بخٍ بخٍ يا عمير " ؟!
فَقَالَ الحبيب في خُشُوع: (مَا هُو إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أكُون مِن أَهْلها)
فيأتيه صكّ البَرَاءة: " أنتَ مِن أهلها " !
فيَدَع تَمَرَاته الَّتِي بين يديه..وَهِيَ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنيا لَدِيه، وَيَسْتَطيل الدَّقَائق، ويَرَاها حَيَاة طَويلة، وَقَد لَاحَت خِيَام الحَبيب..فَيَقْذِفُ بِنَفْسِه في سَاحَةِ الفِدَاءِ مُتَقرِّبًا إلى رَبِّه بِجَسَدِه!
وهذا أبو الدَّرْدَاء - رضي الله عنه- يَقُول: إنِّي لَأُحِبُّ المَوتَ اشْتِيَاقًا إلى رَبِّي!
والعابد الناسك الخاشع عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان لَا يَذْكر النَّبيr بعد وفاته إلَّا بكى..!!
وإذا مَرَّ بدياره لا يستطيع أَن يَمُدَّ عينيه شوقًا إلى حَبيبهِr وقد خَلَتِ الدِّيار منه..!
وهو مِلء الأسماع والأبصار والأرواح والأفْئِدَةr !!
وأبو عبيدة الخوّاص، ذلك المُحِبُّ الخَاشِع، يَسِير في الأسْواقِ مُنَاجِيًا ربّه، ناظِرًا إلى السَّماءِ وَقَد خنقته العبرة قائلًا: وا شَوقاه إلى من يَرَاني وَلَا أَراااااه..!
وَكَان يَحيى بن معاذ -رحمه الله- يقول وقد طَرَقَ أَبواب قلوبنا بهذه الكلمات المُضرَّجة بالحنين والأسف: (يَخْرُج المُحِبّ مِنَ الدُّنيا وَمَا قَضَى وَطرَهُ من شيئين: بُكَاؤه عَلى ذنوبه، وَشَوقه إلى رّبه ومَحْبوبه)..!
فيا الله..
لَقَد كانوا في شُغلٍ عَن نفوسهم...شوقًا إلى ربهم ونبيهم r!
فيَا مَن اشتاق إلى رُؤيةِ الحَبيب في خِيَامِ اللؤلؤ كيف تَسْتَطيل قِيَام ليلة؟!
/
اللهُمَّ ارزُقْنَا حُبّك، وَحُبَّ من يُحِبك، وَحُبّ عَمَل يُقرّبنا إلى حُبّك!
نسألك لذَّة النَّظرِ إلى وَجهك الكريم..والشّوق إلى لقائك، في غيرِ ضرَّاء مُضرِّة ولَا فِتنةٍ مُضلَّة!
ربَّاه..
شُغِلنَا عنك فأسْبَلت علينا سِتَار جودك!
وانصرفنا عن طاعتك ولم تَقْطَعْ عنّا بِرَّك..!
فاغفر لنا أنتَ الغفور الرحيم..!
اللهُمَّ إن كنت تَعْلَم فِيَّ إخلاصًا- وأنا لستُ أهلًا لذلك- فثبّتني عليه حتى أراك!
وإن كنتَ تعلم فِيَّ رياء ونفاقًا- وأنا أهل لذلك- فامنحني توبة منكَ تُرضِيكَ عَنِّي..!
اللهُمَّ إني أتوسلّ إليك بك..فليسَ لي عَمَل صَالح أتقرّب به إليك !
أن تغفر لي ولوالدي ولإخواني وللمسلمين والمسلمات..!
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..!
مختارات